د. السيد علي أبو فرحة يكتب | لماذا ترفض الحركة المدنية؟!

0

في مساء السابع من سبتمبر 2022 أعلنت الحركة المدنية الديمقراطية في بيانها على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وقد تضمن عدة نقاط أكدت أنها انتهت إليها بعد نقاشات مطولة بين أحزاب الحركة تعقيبا على تطورات الدعوة للحوار الوطني، وقد تضمن البيان عددا من القضايا المحورية ذات الأولوية كإخلاص سبيل “سجناء الرأي”، و”حرية التعبير”، و”إجراءات الإصلاح الاقتصادي والسياسي ذات الطابع الاستراتيجي” و”السياسات الاقتصادية التي أدت إلى تزايد الأعباء الداخلية والخارجية” وأخيرا اعتراضها على تشكيل لجان المحور السياسي للحوار الوطني باعتبار انها لم تحقق التوازن المطلوب والمتفق عليه مع الجهة الداعية للحوار” مقترحة إعادة تقسيم لجنة مباشرة الحقوق السياسية والأحزاب والتمثيل النيابي إلى ثلاث لجان للاضطلاع بالمهام الثقيلة الملقاة على عاتق هذه اللجنة في تشكيلها الحالي حسب وصف البيان.
ولنا في ذلك رأي باعتباري مواطن مصري قبل أن أكون باحث وأكاديمي، وهو ما نورده في نقاط حتى تكون يسيرة على القارئ:
أولا: يعترف الجميع وأولهم الرئيس بأن الدولة المصرية في حاجة لمزيد من الإصلاحات على كافة المستويات ولا نستثني منها المستوى السياسي، ولو كان الأمر غير ذلك لما دعت الحاجة للحوار فلسنا دولة اسكندنافية بطبيعة الحال، خاصة في ضوء تنامي التحديات الداخلية والخارجية على كافة المستويات، فكانت الدعوة للحوار إيمانا من القيادة السياسية في ضرورة توحيد الصف الوطني لمجابهة ما هو قادم من تحديات من غير المقبول أن تنفرد بها قوى سياسية واحدة أو وحيدة، وتمهيداً لتأسيس قاعدة مشاركة سياسية تليق بطموحات الجميع.
ثانيا: بدأ البيان بقضية وطنية وهي مراجعة قوائم المحبوسين، رافعا شعارا يلفت الأنظار للبيان والقائمين عليه مستخدمة في ذلك ألفاظا تخاطب الخارج قبل الداخل، ولا يمكن بحق إنكار مسألة مراجعة قوائم المحبوسين فهي قضية هامة ذات أولوية لا تخف على أحد أهميتها خاصة في ضوء احتمالات وجود تعسف أو خطأ أو غيره في بعض القضايا، وهو وارد، ولولا اعتقاد القيادة السياسية في ذلك ما تشكلت لجنة العفو الرئاسي لتمثل آلية تنظيمية واضحة ومحددة المعالم والمسار في هذا الصدد وليست اجتهادات فردية أو مطالبات يمكن حشدها لفرد من المحبوسين دون آخر، وهي اللجنة التي تمخض عملها عن الإفراج عن العشرات عقب إعادة تشكيلها في أبريل الماضي لرفع كفاءتها وقدرتها على أداء مهامها.
ثالثا: لم تتقدم الحركة المدنية في بيانها المنشور بحلول عملية أو اقتراحات لتأكيد ما ذهبت إليه فيما يخص بمراجعة قوائم المحبوسين، مثلما فعلت بتقديم اقتراحات لإعادة صياغة لجان المحور السياسي في آخر بيانها مما يبدو معه أهمية الشق الثاني على الأول وأولويته وإن أوحت أولوية ترتيب النص وفقراته بغير ذلك.
رابعاً: فيما يتصل بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية سواء على المستوى الاستراتيجي أو اليومي حسبما أورد البيان فإن الحركة تعلن أنها غير مسؤولة عنها وتستنكرها في بيانها وتطالب بوقفها ورفعها لحين انتهاء الحوار الوطني على حد ما ورد بالبيان، والحقيقة نقول أن السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي اتخذتها الحكومة في ضوء تواتر الأزمات مؤخرا بين جوائح وحروب إنما طالت الجميع ولكن اتخاذها خير من الوقوف صامتين أمامها فمراجعة بسيطة للمؤشرات الاقتصادية المصرية قبيل جائحة كورونا سيكتشف القارئ أن السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي اُتخذت منذ عام 2014 وحتى 2019 – وعلى الرغم من تكلفتها العميقة على المواطن وما لقيته من تحفظات من البعض وتهكمات من البعض الآخر- إلا أن ثمارها انعكست بجلاء في مؤشرات الاقتصاد الوطني قبيل جائحة كورونا حيث انعكس ذلك على مستوى الأسعار والاحتياطي النقدي والتضخم والبطالة، وما إن بدأت الجائحة امتص الاقتصاد المصري صدماتها بفعل تلك السياسات السابقة عليها، ولن أستفيض في تحليلها في هذا المقام، ولكني أدعو القارئ ليتفكر ماذا سيكون الحال لو لم تُتخذ تلك السياسات وواجهنا جائحة كورونا وكذا تداعيات الأزمة الأوكرانية الروسية باقتصاد مهترئ منذ عام 2011 دون إصلاحات جادة وعميقة.
خامساً: وهو الأهم للحركة المدنية وفقا للأوزان النسبية في بيانها ومعالجتها لنقاطه، وهو “المحور السياسي ولجانه”، ورأينا فيه أن الأحزاب السياسية المصرية على الرغم من ضعفها العام وهشاشة وجودها في الشارع وبدلا من البحث عن سبل لبناء قواعد شعبية لها والمطالبة بتيسيرات لبناء هذه القاعدة فإنها لا تنفك تبحث عن مقاعد برلمانية لا تعبر بحال تمثيلها الشعبي، لتأخذها كمنحة من القيادة السياسية دون جهد أو عناء وهو ما انعكس في مطالباتها بإعادة النظر في تشكيل لجان المحور السياسي، ولنا في ذلك رأي؛ قد جانب “الحركة المدنية” الصواب على عدة أوجه أولها أن وظيفة المقرر تسير الحوار وضبط نظامه وليس رئاسته وإملاء رأيه عليه، ثانيها أن أسماء مقرري المحور السياسي ولجانه جاءت بعيدة عن التحزب وقريبة من علم السياسة وأدبياتها، فعلى الدين هلال – اتفقنا أو اختلفنا – هو أحد رواد علم السياسة العربي المعاصر والذي يتجاوز عدد طلابه في مرحلة البكالوريوس فقط في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة على مدار عمره الأكاديمي ضعف عدد المعجبين لصفحة الحركة المدنية على الفيسبوك والبالغ 21 ألف معجب فقط.
أما أحمد بحيري هو باحث مستقل ينتمي للمركز البحثي الأول في المنطقة العربية وهو مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، حيث يمكن القول باطمئنان أن عدد قراء بحوثه وكتاباته حول الشئون الشرق أوسطية والمنشورة على الإنترنت، أما نيفين مسعد فهي أستاذة قديرة ذات باع في الدراسات الحقوقية والنسوية والحريات العامة تتجاوز الأربعين عاماً يشهد لها القاصي والداني من المعنيين بالشأن العام، وتتسم كزملائها بأنها غير محسوبة على أي حزب سياسي، ويتجاوز عدد طلابها في مقرر النظم السياسية العربية بالفرقة الثالثة بكلية السياسة والاقتصاد في العقدين الأخيرين عدد المعجبين بصفحة الحركة المدنية قاطبة التي تضم أحزابا وشخصيات ذات تأثير مثلما يعتقدوا المنتمين لها والعاملين عليها، أما سمير عبد الوهاب فلا يضاهيه باحثا في حقل دراسات الإدارة المحلية في مصر، فهو مقرر لجنة ترقيات الأساتذة في تخصص الإدارة العامة والعلوم السياسية بالمجلس الأعلى للجامعات.
في النهاية إن الاعتراض حق مكفول للجميع طالما ابتغى الصالح العام والوطن والمواطن وليس ابتغاء منحة أو كرسياً، وطالما استند لأسس موضوعية وحلول واقتراحات عملية وليست مجرد ادعاء بطولة في مشهد لا يحتمل إلا مصلحة الوطن.

* د. السيد علي أبو فرحة، عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.