د. وليد عتلم يكتب | خطبة الجمعة “المفزعة”

0

هَذَا عُنْوَانًا صَادِمْ، نَعِمَ، لَكِنَّهُ وَاقِعٌ، يَحْدُثَ بِالْفِعْلِ، وَلَيْسَ بِجَدِيد .
اصطحبت ابني ووحيدي ذو الخمسة أعوام إلى صلاة الجمعة، ليعتاد منذ سن مبكرة الذهاب للمسجد، واخترت مسجداً صغيراً في أحد أحياء الجيزة، حتى لا ينزعج من الحضور الكبير في المساجد الكبيرة الجامعة، لكنه كان اختياراً خاطئاً.
على مدار 45 دقيقة؛ تعرضت أنا وصغيري لحالة من الصراخ المفزع، والصياح المستمر من القائم بخطبة الجمعة، جعلت الولد الصغير ينكمش في جانبي، ويطلب الخروج من المسجد. بعد انتهاء الصلاة فاجئني صغيري بأسئلة عدة؛ كان أبرزها: لماذا يصرخ هذا الشخص على هذا النحو؟!، ما معنى التلفزيون حرام كما قال؟!!، ما معنى أن “اليوتيوب” حرام؟!، ما معنى أن الاحتفال بالمولد النبوي وحلاوة المولد بدعة؟!!. كان هذا قليل من كثير الأسئلة والاستفسارات التي ألحت على ذهن الصغير في تجربته الأولى لإقامة مناسك وشعائر دينه.
لكني لم أستغرب أو أندهش من ردة فعله “الفزعة”، فأنا الكبير في السن، ذو الحد الأدنى من العلم والفهم، فقدت تركيزي واتصالي بالخطبة، لم أعي مضمونها، أو الحكمة منها بسبب حالة الصراخ المستمر، فما بالنا بنشءٌ صغير لا يزال يقبل على العالم. وهنا فهمت القلق الكبير وراء المطالب المتكررة بوضوح تام من السيد الرئيس بضرورة تجديد الخطاب الديني، وانزعجت حد الخوف على عقل ابني الصغير وسلامة عقيدته ومعتقداته.
إن الإسلام دين السماحة، دين السكينة، دين الراحة والاطمئنان. لا الخوف والفزع، معلوم تماماً الجهد الذي بذلته وزارة الأوقاف المصرية ما بعد 2014 من أجل تحرير المنابر من التيارات السلفية والإخوانية، لكني أتصور أنها فشلت حتى الان في التعاطي مع تلك الظواهر الصوتية التي تنفجر في آذاننا، قبل عقولنا، من يراجع هؤلاء؟؟، ومن يقر بأهيلتهم للخطابة؟؟، ومن يفتش على تلك المساجد، وهل الاهتمام ينصب فقط على المساجد الكبيرة الجامعة؟؟ ونترك تلك المساجد والزاويا المنتشرة في الشوارع والأحياء مرة أخرى لتلك التيارات المتطرفة. ثم هل هذه هي الخُطب الموحدة التي أقرتها وزارة الأوقاف؟!!، أشك في ذلك.
خُطبة الجمعة هي الاتصال المباشر مع عقول ووجدان كل مسلم حريص على إقامة شعائر دينه، غير أن استمرارها على تلك الحالة الجوفاء من الكلمات والديباجات المكررة منذ عشرات بل ومئات السنين، يجعلنا أمام اختيارين؛ الأول هو التسليم بالأمر الواقع وتسليم العقل والعقيدة لمثل هذه الظواهر الصوتية التي تعتلي المنابر، والثاني هو الامتناع عن الذهاب لمثل هذه المساجد وهولاء الخطباء، أما الخيار الثالث والصعب فهو المضي قدماً في طريق الإصلاح، التحديث والتجديد، خطبة الجمعة هنا مثلها مثل أي نشاط إنساني معرفي،
لذلك؛ يبقى السؤال المطروح: إلى متى سنظل بعيدين عن الخوض في قضية تجديد خطبة الجمعة، وتشديد معايير اختيار الخُطباء، واستبيان مدى أهليتهم للخطابة في جمع الناس كبيرهم وصغيرهم على النحو الذي ييسر عرض مفاهيم عقيدتنا، وفقه شريعتنا فى المساجد والمراكز الإسلامية فى خطبة الجمعة التى يشهدها جمع كبير من المسلمين بصورة منتظمة.
وبالقطع جميعكم تتوقعون ما حدث من ابني الصغير الجمعة التالية، من رفضٌ تام للذهاب إلى المسجد!!.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.