كلارا ميلاد تكتب | قانون الغلابة
فى مثل هذا اليوم، وبالتحديد العام الماضى ذكرنى موقع التواصل الاجتماعى “فيسبوك” بقصة “محمد الغلبان” لم تتغير ملامحه كثيرًا، وكذلك وجهه المبستم الذى لم أراه قافلا يلعن حياته إلا مرة واحدة فبادرت بالسؤال عن أحواله: “مالك يا عم محمد خير طمنا عليك”، ليرد بتلقائية موجعة وبكلمات مختصرة أصابت قلبى ولكننى استطعت أن أخفى عنه دموع عينى التى احتبست بداخلها وصمدت حتى أعرف ما الذى أثر فى الرجل الطيب حتى جعله يكره حياته إلى هذا الحد.
وكانت القصة تدور حول ابنته، حيث طلب منه مدير إحدى المدارس الحكومية مبلغ مادى على سبيل التبرع للمدرسة لشراء مستلزمات مثل “مقاعد للطلبة وصنابير لدورات المياه”، رغم أن تلك المبالغ توفرها وزارة التربية والتعليم من ميزانية الدولة، ولكننى لم أتفوه بكلمة حتى أعرف القصة كاملة ليختتم الرجل حديثه قائلاً: “وقالى كدة بالنص يا هانم هتدفع 500 جنيه هقبل ورق بنتك مش هتدفع خليها قاعدة جمبك فى البيت”.
فما كان منى إلا أن أرشدت حارس العقار المسن: “طيب يا عم محمد وسكتله ليه بكرة تطلع على الإدارة التعليمية وتحكيلهم القصة وأنا هكلمهم هناك وأوصى عليك وهيعملولك اللازم”.
وفى الواقع لم أكن أعرف أحد بتلك الإدارة التعليمية، ولكننى أعرف قانون بلدى جيدًا، والذى ينص على أن المصروفات تحددها الوزارة بالمدارس الحكومية ولا يتم دفع أى مبالغ إضافية لأنه لا يوجد تشريع واحد فى مواد الدستور المصرى يحتوى على قانون واحد يطلب من أولياء أمور طلاب المدارس بالتبرع بالمال لأى احتياجات مدرسية، وبالتالى لا تملك المدرسة الحق ليس فقط فى الطلب ولكن حتى فى جمع الأموال من أولياء الأمور، خلاف ذلك سيكون ابتزاز ورشوة.
وعقوبة الرشوة كما نصت مواد قانون الجنايات وعلى الأخص المواد 103 و104 و105 و106 و107 و108، بعقوبة تصل إلى الأشغال الشاقة المؤبدة وغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطى أو وعد به.
ومن هنا قررت أن أرفع دعوى قضائية على مدير المدرسة والإدارة التعليمية، إذا لم يتم حل مشكلة محمد الغلبان، وها هو صباح يوم جديد وبمجرد الوصول إلى باب الخروج قابلنى عم محمد بابتسامته المعتادة، ولكن فى هذه المرة ارتفع وعيه كثيرًا والقى على تحية الصباح قائلا: “صباح الفل يا ست هانم، كدة تعملى فيا مقلب بس ربنا يباركلك والله شجعتينى، أنا روجت الإدارة وقولتلهم إنى تبعك لكن قالولى منعرفهاش، بس لما حكيتلهم على المشكلة بتاعتى حلوها فى وقتها وكده خلاص بنتى قدمت فى المدرسة وهتقدر تكمل تعليمها”.
نعم صدق الرجل وكذبت أنا، ولكنها كانت كذبة بيضاء حتى لا يخشى الغلبان أن يطالب بحقوقه فى دولة القانون.