أحمد صابر يكتب | سقوط ليمان ومخاوف الحرب النووية
بعدما أعلنت روسيا ضم أربع مقاطعات في الشرق الأوكراني لتكون أراضي روسية، كانت الحرب في ليمان في اليوم التالي للاستفتاء، وهي منطقة في غاية الأهمية بالنسبة لإقليم دونيتسك. يتساءل البعض عن أسباب السقوط، والاستراتيجية الأوكرانية التي تدفع الروس للانسحاب تاركين وراءهم العديد من المعدات الثقيلة كالمدفعية، وما إذا كان الروس سيلجأون لاستخدام الأسلحة النووية في الفترة المقبلة.
يبدو أن جهاز الاستخبارات الأوكراني بمساعدة استخبارات الناتو، واستخدام مصادر الاستخبارات المفتوحة، لديه ما يمكنه من تحقيق تفوق ميداني فيما يتعلق بالمعارك التي تخوضها في جنوب وشرق أوكرانيا، على النقيض فإن القوات المسلحة الروسية لديها مشكلة كبيرة في تقييم الوضع الميداني وبالتالي تموقع خط الدفاع واختيار المناطق التي تدير فيها المعارك.
إن التفوق الميداني ناتج عن التفوق الأوكراني في العمليات المعلوماتية العسكرية، وقدرة الأوكران على كشف نقاط الضعف الروسية والتنبؤ بأخطاء الروس والتصرف بناءً على ذلك، على سبيل المثال تولي القوات الأوكرانية اهتمامًا خاصًا بالمناسبات الإعلامية الروسية، وتجيد اختيار التوقيت لشن ضربتها القادمة، كما أن الروس لا يجيدون الضرب في مناطق تكدس القوات الأوكرانية، نتيحة لوجود المدفعية وأنظمة الدفاع التي تعيق تنفيذ ضربات جوية ناجحة.
قامت القوات الأوكرانية في معركة ليمان باختيار توقيت خطاب فلاديمير بوتين وإعلان ضم المقاطعات الأربعة، للتجهيز للعملية العسكرية، تم استخدام المدفعية، وطائرات بيرقدار المسيرة من أجل تنفيذ ضربات دقيقة، وبالفعل حاصرت القوات الأوكرانية الجنود الروس فاضطروا إلى الفرار نحو الشمال تاركين وراءهم العديد من المعدات الثقيلة.
هذه الاستراتيجية الأوكرانية تترك وراءها نقطة ضعف أرجح استغلالها من قبل الروس في الفترات القادمة، وهي أن القوات الأوكرانية تقوم بالحشد في الجبهة التي تهمها والتي من المرجح أن تشن الحرب عليها، تاركةً الجبهات الأخرى ضعيفة نسبيًا، وبالتالي يمكن عبر وسائل الاستطلاع التنبؤ بمكان الهجوم الأوكراني، وشن هجوم روسي معاكس على الجبهات التي لا تحتشد القوات الأوكرانية بها.
ما الذي تحمله الأيام المقبلة؟
من المرجح أن يستمر التراجع الروسي خوفًا من الحصار الأوكراني نتيحة لسوء وسائل الاتصال الروسية وصعوبة الأوضاع اللوجستية، وعلى الرغم من إعلان روسيا بالأمس قتل حوالي ٢٠٠ جندي أوكراني في خيرسون، فإنه من المتوقع أن تتراجع القوات الروسية من شمال خيرسون إلى الخط في بيريسلاف في الأيام القادمة، نتيحة الضغط من الشمال الشرقي بواسطة المدرعات الأوكرانية المسلحة جيدًا.
تزداد المخاوف الروسية في الأيام المقبلة من الشمال الشرقي حيث تكدس القوات الأوكرانية نتيجة لعدم إدارك واعترف القادة الروس بحقيقة الأوضاع الميدانية وسوء التواصل، لكن بحلول الخريف وبسبب الأمطار وذوبان الجليد، سيكون ذلك في مصلحة الروس، فمن الصعب على المعدات الثقيلة للقوات الأوكرانية التقدم عبر الحقول، وأيضًا سيكون من الصعب على القوات الروسية تنفيذ ضربات جوية.
متى تنتهي الحرب الأوكرانية؟
إن الحرب الأوكرانية من المرجح أن تكون حرب طويلة الأمد وتستمر لسنوات مقبلة، هذا لأن الموقف التفاوضي للروس لا يزال ضعيفًا، ومن غير المرجح أن تميل الدول الغربية للجلوس على طاولة المفاوضات في الوقت الحالي، يتطلب ذلك من الروس تحقيق تفوق ميداني كبير والتوجه نحو الغرب عبر احتلال معظم الأراضي الأوكرانية، في الوقت ذاته
فإن النجاح الأوكراني في الهجوم المعاكس يضع ضغوطًا شعبية كبيرة على الكرملين سوف تضطرها للاستمرار في القتال حتى تحقيق نتائج مرضية، وبالتالي فإن استمرار الحرب أمر مرجح.
هل تلجأ روسيا لحرب نووية؟
إن العقيدة الروسية تتبنى الضربات النووية التكتيكية، وقد تغيرت العقيدة كثيرًا في الفترات الأخيرة عبر التصريحات التي تنص على وجود مفهوم الضربة النووية الوقائية في العقيدة الروسية، وبالتالي نظريًا ليس هناك مانع من شن تلك الضربة، لكنه عمليًا أمر غير متوقع على الأقل في الشهور القادمة وحتى حدوث تغيرات جذرية لصالح الأوكران، ذلك لأن الروس لا زالت لديهم قدرات تقليدية قادرة على إلحاق الضرر بأوكرانيا، لا زالت البنية التحتية المدنية الأوكرانية لم تتلق ضربات موجعة، ويستطيع الروس عبر غارات جوية واسعة إلحاق الضرر بالسكك الحديد، وخطوط الغاز، وغيرها من البنية التحتية التي تستطيع شل أوكرانيا. فلا يمكن أن نتوقع اللجوء لاستخدام سلاح نووي قبل استخدام كامل القدرات التقليدية.
من الناحية الاستراتيجية، لا أرى اللجوء لضربة نووية إلا نجاحًا استخباراتيًا من الناحية العملياتية، بمعنى ردع القوات الأوكرانية والتمكن من احتلال جزء كبير من أراضي الدولة، لكنه في الوقت نفسه فشلًا استخباراتيًا من الناحية الاستراتيجية، بمعنى أنه سيؤدي إلى مزيد من التعاطف الدولي لأوكرانيا ومزيد من العزل الدولي لروسيا. وحتى لو حققت القوات الروسية هدف تحرير نصف أو معظم الأراضي الأوكرانية من الوسائل التكنولوجية الغربية، وجعلها منطقة عازلة لا تستخدم كسلاح ضد الأراضي الروسية، فإن انضمام العديد من دول أوروبا الشرقية للناتو سيصبح حقيقةً لحماية أنفسهم من التهور الروسي، وبالتالي ستخسر روسيا على المستوى الاستراتيجي ما كانت تريده من تكوين جبهة عالمية مضادة للغرب، ذلك لأن الكثير من الدول سيعتبرون استخدامها للسلاح النووي تهورًا لا يمكن الوثوق به.