عمرو نبيل يكتب | قوة الدول الحقيقية “مجتمعية”
يرجع السبب الرئيس في الكوارث والأزمات التي يواجهها العالم اليوم وفي عدم التعاون في مواجهتها إلى التنافس العالمي بين القوى الكبرى وبخاصة الولايات المتحدة والصين، وقد سلط الحديث عن تشكل عالم جديد متعدد الأقطاب الضوء على دول مثل ألمانيا واليابان والهند، كما بدأت الدول ذات الثقل والطموح الإقليمي في إعادة حسابات علاقاتها مع هذه الدول بما يخدم تطلعاتها المستقبلية ومشاريعها الإقليمية.
وفي ظل هذه الحالة التنافسية العالمية أختلفت الآراء حول مدى قوة الدول ومعاييرها وكيفية قياسها سواء كانت تكنولوجية أو اقتصادية أو عسكرية، وهو الأمر الذي دفع “دائرة شبكة التقييم” التابعة للبنتاجون لتكليف “مؤسسة راند” بإجراء دراسة هامة استغرقت 15 شهراً حول “صعود الدول وسقوطها”، حيث توصلت الدراسة إلى نتائج هامة.
فقد أكدت نتائج الدراسة على أن الدول لا تنتصر في المنافسات لامتلاك قدرات تكنولوجية أو عسكرية أو اقتصادية بل بالميزات الأساسية لمجتمعاتها، وحددت مميزات كـ “الطموح الوطني”، “الفرص المشتركة للمواطنين”، “الهوية الوطنية الجامعة والمنسجمة”، “المؤسسات الاجتماعية الناشطة”، “التعلم والتكيف”.
حيث يشكل “الطموح الوطني” أساس مختلف أشكال القوة الوطنية، فمن دون هذا الطموح نادراً ما تتمكن الدول من بناء اقتصاد وطني فاعل أو بناء المحركات التكنولوجية، كما تمثل “الفرص المشتركة للمواطنين” سبل النجاح لهم، حيث ترتبط اللا مساواة دائما ببطئ معدلات النمو وضعف الابتكار.
وتمثل “الهوية الوطنية الجامعة والمنسجمة” أساس الإنجازات الوطنية، وتسهم في تلافي معوقات التنافس السياسي، وحشد الدعم الشعبي للجهود الوطنية، حيث تمكن الدول من المواءمة بين الهدف الاجتماعي والتطلعات والمبادرات الفردية.
وتعزز “المؤسسات الاجتماعية الناشطة” النمو الاقتصادي، وتقوي شرعية الدولة، كما أنها تتجاوب مع التحديات الاجتماعية، ولكي تنجح هذه المؤسسات ينبغي أن تقترن بقيم وعادات اجتماعية واسعة المدى، ومن أهمها “التعلم والتكيف”، حيث تؤدي للابتكار في السياسات العامة ونماذج الأعمال، فعلى مر التاريخ ارتبط نجاح الدول ارتباطاً وثيقاً بانتشار الفضول الثقافي والعلمي والالتزام بالتعليم، وقدمت دراسات حديثة أدلة على العلاقة الإيجابية بين الالتزام بالتعليم التكنولوجي الحديث والنمو والابتكارية، وأيضاً بين التحصيل العلمي والنمو.
وتؤكد دراسة “راند” الحديثة على أنه يتوجب تحقيق التوازن ضمن كل ميزة من هذه الميزات، وأن تتآزر ويعزز بعضها بعضاً، لأن المنفعة الأقوى لكل واحدة من تلك الميزات تتأتى بفضل تأثيرها المتضافر مع الميزات الأخرى.
وفي الوقت التي تسعى فيه مصر لبناء جمهوريتها الجديدة، وسط تغيرات عالمية وإقليمية متسارعة، تأتي أهمية مثل هذه المقومات المجتمعية، حيث يجب أخذها في الاعتبار، عند صياغة الاستراتيجيات والخطط والسياسات، وأن تحظى بالدعم الكافي لغرسها في المجتمع المصري كي يتمكن من تحمل أعباء البناء الوطنية.