عزالدين معزة يكتب | المثقفون والجماهير والسلطة (1-2)

0

الكل يعلم في الوطن العربي من مشرقه إلى شمال افريقيا، أننا نعاني من أزمات متتالية لا حصر لها في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية والأخلاقية والدينية، ليس غرضي الخوض في تفاصيلها واسبابها ومسبباتها التي تعود إلى العصور الوسطى، وإنما ما يثير الانتباه والحيرة في نفس الوقت هي قضية المثقفين والدعاة، وقد يجزم بعضهم، أنه لا توجد مجتمعات عبر التاريخ وإلى الآن لا توجد فيها صراعات ثلاثية الأبعاد بين المثقفين والسلطة والشعب.
وهذا المقال، ليس لسرد تلك القضايا وعرضها والسّعي إلى إيجاد حلول لها، وإنما لإثارة التفكير والنقاش والجدال حولها. ومن ضمن هذه القضايا التي ظلّت تؤرق المجتمعات الإنسانية في أي مكان وربما في أي زمان هي قضية المثقفين او أن شئت فقل النخب المثقفة، وقد يذهب بعضنا إلى الجزم بأنه لا توجد لدينا نخب مثقفة ولا حرية التعبير ولا صحافة ولا صحفيين أحرار بل قد يجزم بأنهم كلهم أدوات تتحرك بمهماز، ومن قائل إن المشكلة في نخب المجتمع التي فسدت، ولم تعد تشعر بما عليها من واجبات تجاه ما يقع في المجتمع ومؤسساته.
ومنهم من يذهب ويجزم كذلك بأن السلطة الحاكمة لو صلحت لصلح الجميع؛ لأن الحكام هي الذين يملكون عوامل الإصلاح والإفساد، وكما قال الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه “يزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”، فرغم أن القرآن كلام الله وله سلطان على نفوس الناس، إلا أن سلطة الحاكم أقوى وأشد وقعا على الناس من القرآن الكريم ، بحكم سلطة التنفيذ، بينما يرى آخرون أن المشكلة في الجماهير التي تحمل في نفسها القابلية للاستبداد والفساد والاستعمار كما يرى مالك بن نبي ، ونيلسون مانديلا ،وربما كان هناك رأي آخر وهو أنهما معا –النخبة والجماهير- استقر فيهما أن التغيير إلى الأفضل غير ممكن؛ لأن القرار بيد الغرب الاستعماري، والاستعمار لا يسمح بحراك خارج مصالحه، التي تتعارض حتما مع الإرادة الشعبية للمجتمعات المستضعفة.
الثقافة والمثقفون والنخب العربية في مأزق كبير إذًا، مأزق عبر عنه محمود أمين العالم بقوله “لا نستطيع القول إن هناك جبهة ثقافية نقدية ونظرية إبداعية ذات سلطة فاعلة ومؤثرة في مواجهة سلطة ثقافة السلطة العربية السائدة”، كما عبر عنه فيصل دراج باعترافه أن ثمة “اغترابًا حقيقيًا همش المثقف النقدي تهميشًا يتاخم المأساة ، إنه يريد أن يكون فاعلًا في مجتمعه من خلال ثقافته وفكره، بيد أن ذلك لا يستقيم إلا في فضاء حداثي عقلاني استقرت فيه قيم الفردية واستقلالية الفرد ومرجعيته، والرأي العام وسلطته المتعالية على أية سلطة مستبدة خارجة عنه، إذ ثمة تلازم بين ولادة المثقف كفاعل اجتماعي، وبين المجتمع المدني الديمقراطي الضامن للمساواة المدنية، وحق التعبير والرفض والنقد والمساءلة من دون عسف أوتحريم. لكن المثقف العربي ينظر حوله فلا يرى جمهورًا يعضده ولا شرعية ديمقراطية يتكىءعليها، فأكثر من نصف العرب من الأطفال والأميين والفقراء، وهؤلاء لا يصلهم من خطابات المثقفين إلا ما تريده لهم السلطة السياسية، في ظل ضآلة المنشورات الثقافية ومحدوديتها، واستبداد المرجعيات الذي يصل إلى حد الاغتيال المعنوي أو حتى الجسدي. وفي حال وجود مؤسسات ديمقراطية، من حيث الشكل، إلا أنها في الواقع “محاصرة أو مراقبة أو محدودة أو معرضة دائمًا للمصادرة والقمع” على حد تعبير محمود أمين العالم.
كيف يمكن في ظل مثل هذه الظروف المتأزمة أن يكون للمثقف سلطة فاعلة، وهل يكون غريبًا الحديث عن الإحباط الثقافي وأزمة المثقفين؟ فإذا كان دريفوس قد وجد رأيًا عامًا يسنده، وقوانين ديمقراطية تنصره، فإن المثقف العربي يجد نفسه وحيدًا، متروكًا لقدره، وقهر أنظمته، واستبداد مرجعياته، وبؤس عامته. لا أحدا يقف معه ويسانده في حالة إذا ما أزعج السلطة بقلمه ولسانه، سيجد نفسه معتقلا بتهم خطيرة جدا، فلا قاضي مستقل يستطيع ان يبرأه من التهم التي الصقتها به مخابرالظلام والظلم والنهب، وتاريخنا العربي الحديث يخبرنا بما تعرض له المثقفون من تعسف وظلم ولا أحد تحرك للدفاع عنهم واجهوا مصيرهم وحدهم ولم تتألم معهم إلا عائلاتهم التي ذاقت الفقر والذل،

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.