كاظم المقدادي يكتب | البيئة والصحة وحقوق الإنسان (١-٢)
إشكاليتان هامتان ومترابطتان، البيئة والصحة إشكاليتان هامتان وحيويتان في حياة البشر، وهما مترابطتان عضوياً. وقد أولتهما وتوليهما الدول المتحضرة المعتمدة لحقوق الإنسان والملتزمة بها أهمية خاصة وكبيرة، إدراكاً منها لأهميتهما الحيوية للمجتمع وللأسرة و للمواطن الفرد..
تُعرفُ البيئة بأنها الطبيعة، بما فيها من أحياء وغير أحياء.وهي الوسط الذي يحيى به الإنسان مع غيره من الكائنات الحية،ويحصل منه على مقومات حياته من مأكل وملبس ومسكن، ويمارس فيه مختلف علاقاته مع بني جنسه. والبيئة،التي تشمل: الهواء والماء والتربة والمعادن والمناخ والكائنات نفسها، ليست مجرد موارد يتجه إليها الإنسان ليستمد منها مقومات حياته، وإنما تتضمن أيضاً علاقة الإنسان بالإنسان التي تنظمها المؤسسات الإجتماعية، والعادات، والتقاليد، والقيم الوطنية.
وتُعرفُ الصحة بأنها حالة من المعافاة الكاملة بدنياً ونفسياً واجتماعياً وروحياً. وقد تبنت الأمم المتحدة الحق في الصحة في المادة الثانية عشر من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966، والذي نص:” تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة البدنية والعقلية يمكن بلوغه”.
وقد أدركت الدول المتحضرة ان بلوغ الصحة المطلوبة لمواطنيها لا يتم إلا في ظل بيئة نظيفة وصحية. ولن يتحقق توفير الرعاية الصحية الحديثة المطلوبة والعيش في بيئة صحية محمية ، من دون مراعاة حقوق الأنسان وإحترامها حقاً وفعلآ، بوصفها حقوقاً أصلية في طبيعتها لا يستطيع البشر ان يعيشوا بدونها، ولن يكون لوجودهم كبشر قيمة ومعنى بدونها، وهي حقوق مستحقة لكل شخص بوصفه إنسان.
ووفقاً لما تتطلبه الاستجابة لتحديات التنمية في المجال الصحي يُفترضُ تقديم خدمات الوقاية، وتحسين صحة الأسرة، ومكافحة الأمراض، مع اعتبار هذه الأمور مُكوّناً رئيساً في رسم السياسة الصحية بطريقة تجعلها منسجمة مع الاستراتيجيات الوطنية في التخفيف من وطأة الفقر.
صحة الأنسان مرتبطة بصحة النظام البيئي
أكدت الحياة يومياً وبإضطراد الإرتباط الوثيق بين حق الإنسان في الحياة والصحة وحقه في الحصول على بيئة نظيفة، سليمة، ومتوازنة. وإلا فان هذا الحق ينتهك، وتتعرض حياة الإنسان للخطر.وفي هذا الشأن فان أي استراتيجيات بيئية لا تأخذ منظور الصحة بعين الاعتبار تعتبر استراتيجيات مبتورة. وهكذا الأمر بالنسبة للاستراتيجيات الصحية،التي يجب أن تأخذ المنظور البيئي بعين الاعتبار،وإلا تصبح مبتورة أيضا.
وقد أكدت دراسات لمنظمة الصحة العالمية WHO منذ فترة طويلة ان صحة الانسان مرتبطة بقوة بصحة النظام البيئي الذي يلبي الكثير من احتياجاتنا الاساسية، فتؤدي زيادة عدد السكان، والتطور الاقتصادي الى حدوث تغييرات سريعة في النظام البيئي العالمي، ويؤثر هذا على صحة البشر.
ونبهت الى إمكانية التغلب على المشكلات البيئية، التي تتسبب بحوالي ربع الامراض والوفيات التي تحدث في عمر مبكر. وقالت دراسة بعنوان “تفادي الامراض من خلال الحرص على بيئة صحية ” انه يمكن سنويا انقاذ حياة 4 ملايين إنساناً اذا ما تم تفادي المشكلات الصحية المرتبطة بالمكونات البيئية كالهواء والماء والتربة والاشعاعات والضجيج والحقول الكهرومغنطيسية والانشاءات والزراعة والسلوكيات الصحية والنظافة.وأوضحت بان عوامل الخطر البيئية تشهد تحولا كبيرا مع التنمية.
وحذرت WHO مراراً من ان الضغط على البيئة يمكن أن يكون له نتائج غير متوقعة وربما خطيرة على الصحة في المستقبل.
ودعت ماريا نيرا مديرة قسم الصحة العامة والبيئة في WHO ان تتخذ على الفور سلسلة من الاجراءات لتخفيف العبء الذي تفرضه الامراض الناجمة عن البيئة.
وفي هذا السياق، كُرس المؤتمر الدولـي Eco Health 2008 الذي عقد في ميريدا بالمكسيك، للتدهور البيئي الناجم عـن النشاطات البشرية، وانعكاساته الصحية علـى البشر. وعرضت فيه مئات الأبحاث حول تأثيرات تلوث الهواء والماء والتربة وتغير المناخ وخسارة التنوع البيولوجي والصناعة والزراعة والطاقة، وغير ذلك من مشاكل ايكولوجية تمكن مقاربة حلول لها بمشاريع تربط بين تعزيز الادارة البيئية وتحسين الصحة البشرية.
وفي اَذار 2019 نُشر تقرير أنجزته الأمم المتحدة حول حالة البيئة العالمية في السنوات الخمس الأخيرة، تضمن تقييماً أكثر شمولية ودقة. وحذر من أن الأضرار التي تلحق بالكوكب بالغة الخطورة والتي تعرض صحة الناس للخطر بشكل متزايد ما لم يتم اتخاذ إجراء عاجل.
وأشار التقرير، الذي ألفه 250 عالما من أكثر من 70 دولة:” إننا إما أن نزيد من حماية البيئة، أو أن المدن والمناطق في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا قد تشهد ملايين الوفيات المبكرة بحلول منتصف القرن”. كما حذر من أن الملوثات في نظم المياه العذبة لدينا ستشهد مقاومة مضادة للميكروبات تصبح السبب الرئيسي للوفاة بحلول عام 2050 ويؤثر اضطراب الغدد الصماء على خصوبة الذكور والأناث، وكذلك النمو العصبي للطفل.