كريم مصطفى يكتب | الطاقة المتجددة والعدالة الاجتماعية في مصر
مع الصعود المتسارع لأهمية الطاقة المتجددة في الآونة الأخيرة، ولعدد من أزمات الطاقة في العالم أصبح هناك العديد من التساؤلات التى غالبا ما تشغل ذهن صانع ومتخذ القرار في العديد من الدول بصفة عامة وفى مصر بصفة خاصة، لما لها من أثر مباشر على حياة المواطنين وعلى مختلف قطاعات الدولة، وذلك مع ضرورة التأكيد على أنه موضوع شاءك وله العديد من الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والفنية التقنية، كما أنه ليس موضوع محلى يقتصر تأثيره والتأثر به على الدولة المصرية، وإنما يؤثر ويتأثر بما يحدث في الإقليم والعالم.
بالرغم مما سبق، لعلنا نحاول من خلال هذا المقال أن نطرح بعض التساؤلات المرتبطة بهذا الموضوع، لمحاولة إلقاء الضوء على أهميته بشكل عام من جانب، وعلى مدى ارتباطه بتحقيق العدالة الاجتماعية وأهداف التنمية المستدامة من جانب أخر، عسى أن تكون فرصة لفتح حوار ونقاش مجتمعي حول هذه القضايا التى غالبا ما تقتصر على دوائر معينة، وذلك على الرغم من أنها تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطن العادى.
من البديهي ان نتساءل عن العلاقة بين التوجه نحو الطاقة المتجددة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة؟
هناك علاقة بين التوجه نحو مزيد من الاعتماد على الطاقة المتجددة، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة المرتبطة بالقضاء على الفقر والعدالة الاجتماعية، فمع بداية الألفية الجديدة، أصبحت الطاقة المتجددة ضرورة لتحقيق التنمية المستدامة في البلدان النامية وخاصة في المناطق الريفية.
لهذا السبب في عام 2011، أشار الأمين العام للأمم المتحدة بن كي مون إلى أن استخدام الطاقة المتجددة قادر على تغيير مستوى الفقر وتحسين الوضع الاقتصادى للأشخاص الذين يعانون من فقر الطاقة في البلدان النامية والسماح لهم بالعيش فيها بمستوى مرتفع ومزدهر.
إذا كان الأمر كذلك عالميًا وبصفة خاصة للدول النامية، فما هى أهم الأسباب التى أدت إلى مزيد من الاعتماد على الطاقة المتجددة في الآونة الأخيرة في مصر؟
من المهم هنا أن نعلم أن هناك مجموعة من الأسباب والمستجدات الملحة التى طرأت في السنوات الأخيرة ودفعت الدولة المصرية للمضي قدمًا بهذا الاتجاه ونذكر منها:
أولا: النمو السكاني وأزمة الطاقة فى مصر:
شهدت مصر خلال العام 2014 موجة غير مسبوقة من حالات انقطاع التيار الكهربائي في مختلف أنحاء البلاد، لتستمر قرابة الست ساعات يوميًا في القاهرة ونحو اثنى عشر ساعة في بعض مناطق صعيد مصر.
وقد نتجت أزمة انقطاع التيار الكهربائي في مصر بالأساس عن اختلال التوازن بين المعروض من الطاقة المولدة والطلب عليها، فمن ناحية حدث ذلك كنتيجة لارتفاع معدل النمو السكاني بشكل يتجاوز النمو المتباطئ في نمو الطاقة المولدة، ومن ناحية أخرى لأسباب اقتصادية وأمنية وسياسية، وتقنية عانت منها مصر فى هذا الوقت.
ثانيًا: تأثر مصر بالتغير المناخى في العالم:
وفقا للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء تعد مصر من الدول التى تتأثر بدرجة كبيرة بالتغير المناخى وتصنف على أنها من الدول الأكثر هشاشة تجاه التغير المناخى، أى أنها قد تتعرض لأثار سلبية كبيرة نتيجة التغير المناخى، وهو ما تسعى مصر لتجنبه واحتوائه، ومن شأن اللجوء إلى الطاقة المتجددة توفير مصدر مستدام للطاقة مع الحفاظ على البيئة.
ثالثًا: مستجدات محلية ودولية:
مؤخرا طرأت مجموعة من المستجدات المحلية والدولية التى تدفع مصر لتبنى مزيد من السياسات الداعمة للاعتماد على الطاقة المتجددة، حيث يأتي وقت كتابة هذه الورقة البحثية بالتزامن مع استعداد مصر لاستضافة المؤتمر الدولي لتغير المناخ COP27 لعام 2022. وكذلك ما يتعلق باكتشافات غاز شرق المتوسط وتحقيق مصر للاكتفاء الذاتي منه مؤخرا على الرغم من التزايد السريع داخليا على استهلاك الطاقة، وكذلك سعيها لتحقيق الاستدامة فى استهلاكها، مع الحفاظ على حقوق الأجيال القادمة فيها وفى نفس الوقت التحول لمركز إقليمي للطاقة فى الوقت الذى يعانى منه الاتحاد الأوربى من أزمة طاقة نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية، إلا انه في نفس الوقت يضع اشتراطات بيئية تتعلق بكون هذه الطاقة يجب ان يتم إنتاجها اعتمادا على الطاقة المتجددة حتى يسمح بتصديرها إلى دوله.
في النهاية لا يستطيع احد ان ينكر الأهمية المتزايدة للطاقة المتجددة وارتباطها بتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وكيف ان هناك العديد من الأسباب الهامة والمستجدات التى دفعت العديد من الدول ومنها مصر كما وضحنا سابقًا للتوجه إليها. وهنا السؤال الذى يتطرق إلى الأذهان تلقائيا، ما اهم السياسات التى اتخذتها الحكومة المصرية تجاه هذا الملف؟ وهو ما سنحاول الإجابة عنه خلال مقال قادم.