باسم عبدالله يكتب | المسلمون في السويد (1-2)
العلاقات السـويدية أيام الفايكنغ… قد تبدو العلاقات التجارية الثقافية بين العالم الإسلامي وأوروبا الغربية ظاهرة حديثة العهد ولكنها في الحقيقة تمتد إلى أكثر من ألف عام من التقاليد. غالباً كانت الأمور تثير الدهشة بين الذين لم يسمعوا عن أسفار الفايكنغ، هو كون السويد من أولى دول أوروبا الشمالية التي أقامت علاقات مع الخلافة العباسية. كان الفايكنغ، ذوي الخلفية الزراعية أصلاً، من مهرة الملاحين وقد قاموا برحلات طويلة في مراكبهم النحيلة التي تعمل بالمجاذيف أو الأشرعة. كانوا يأتون من كافة الدول الشمالية، بينما كان فايكنغ الدانمارك والنرويج يتوجهون نحو الغرب فقد توجه فايكنغ السويد في معظم الأحيان نحو الشرق. عموماً يشار إلى الحقبة ما بين عام 800 وعام 1050 على أنها عهد الفايكنغ، فيها كانت أول رحلة للسويديين باتجاه الشرق قد تمت عبر الأراضي الروسية في القرن التاسع، حيث عبروا بمراكبهم البلطيق وبحيرة لادوجا ثم واصلوا رحلتهم عبر الأنهار الروسية الكبيرة حتى بلغوا المناطق الشرقية المتاخمة لبحر قزوين. خلال استكشافاتهم للشرق، كانوا يسلبون من يصادفهم على الطريق حيناً ولكنهم كانوا يتاجرون مسالمين في معظم الأحيان، وبقي الكثير من السويديين في البلاد الروسية أسسوا مراكز تجارية على طرق القوافل التي تصل الشرق بالغرب، هكذا كان الفايكنغ يلتقون بمواطنيهم ويشعرون بالأمان خلال أسفارهم رغم بعد البلاد التي يقصدونها، كانت تعيش شمال بحر قزوين بعض القبائل ذات الأصل الشمالي والشرقي المختلط، منها الخزر وبلغار الفولجا والروس. هذه القبائل احتلت المناطق الغربية من بحر آرال حتى الدنيبر وإلى الشمال على امتداد نهر الفولجا. يرجح أن قبائل الروس كانت من أصل اسكندنافي مباشر، ومنذ فجر التاريخ الإسلامي قد تأثرت بالحضارة الإسلامية المجاورة واستقبلت البعثات والتجار من الخلافة الإسلامية. في هذه المنطقة بالذات التقى الفايكنغ للمرة الأولى بالمسلمين، تفيدنا بعض المصادر المكتوبة بأنهم عبروا بحر قزوين و استمروا جنوباً حتى وصلوا بغداد. اذ كتب ابن خرداذبة الذي كان وزيراً للبريد والأمن في إيران الغربية، حوالي عام 840 وإذا سافروا عن الدون، يعبرون الخليج ومدينة الخزر، حتى يأخذ منهم الحاكم العشر ويحطون رحالهم حيثما أرادوا على الشواطئ وهم غالباً ما يرسلون سلعهم التجارية على ظهر الجمال من جرجان إلى بغداد المراجع الشمالية عن أسفار الفايكنغ عديدة، لكنها مبهمة وصعبة التفسير في بعض الأحيان وإجلالاً للذين قاموا بالأسفار البعيدة والذين مات الكثير منهم في بلاد الشرق، كان الفايكنغ يقيمون نصباً حجرياً مزخرفاً يحمل غالباً كتابات فنية منمّقة بالحروف والأشكال الرونية التي كانت تمثل كتابة أهل الشمال آنذاك وكانت تتمثل بشكل رئيسي من خطوط عمودية وهناك أكثر من عشرين نصباً رونياً من القرن الحادي عشر تروي بشكل رئيسي على ما يبدو بعثة منظمة، قام بها الرحالة المغامر والشجاع انجفار ورجاله. أشهر هذه الكتابات المنقوشة على نصب قريب من قلعة جريبسهولم Gripsholm في أواسط السويد. أما المصادر العربية من القرن التاسع عشر من القرن التاسع و بعده، فهي أغنى بالمعلومات من هذه الكتابات المقتضبة باللغة السويدية القديمة. تعلمنا من خلال هذه المصادر العربية كيف كانت الشعوب الشمالية الأصل تعيش في الشرق وعرفنا عن عاداتهم و تقاليدهم. يعتبر ابن فضلان أشهر المؤرخين الذين نقلوا عن حياة وعادات هذا الشعب الغريب، كان الخليفة المقتدر بالله قد أرسل ابن فضلان ممثلاً عنه ضمن بعثة إلى ملك البلغار عام 922 -921 وكونه كان مسلماً واسع الثقافة قادماً من العالم المتطور، فقد وجد السويديين المتخلفين وعاداتهم مدعاة للاهتمام رغم اتسامهم بالبربرية وكان ابن فضلان محباً للإطلاع شديد الملاحظة. الوصف المخيف الذي أعطاه أحياناً عن التقاليد والتصرفات الهمجية للصقالبة هو الاسم الذي أطلقه العرب على الشعوب الشمالية يعطنا فكرة عن مظهر الفايكنغ وتصرفاتهم وأزيائهم والأسلحة التي كانوا يستعملونها وتبرجوا بالحلي مما شكّل قراءة مثيرة للغاية.
لعل الأكثر إثارة من ذلك هي مجموعات الأشياء وقطع النقد التي كان الفايكنغ يعودون بها إلى السويد والتي يجدها المرء حالياً محفوظة في المتاحف السويدية. ففي المتحف الملكي للمسكوكات في ستوكهولم يمكننا أن نرى بأم أعيننا أكثر من 80.000 قطعة من المسكوكات النقدية، العربية والفارسية، برهاناً على العلاقات والمبادلات التجارية التي كانت قائمة بين الطرفين آنذاك. يعتقد بأن مجموعات المسكوكات الإسلامية هذه مثلت فقط جزءاً من القطع النقدية التي جيء بها أصلاً وهي تمثل أهم المجموعات المتواجدة خارج المناطق الإسلامية وهذه الموجودات إن دلت على شئ فإنها تدل على العلاقة التي كانت قائمة بين الفايكنغ والعالم الإسلامي وأهم مجموعتين بين هذه المسكوكات هي القطع الفضية التي تعود إلى أيام العباسيين والساميين، من التي ضربت في مدينة السلام (بغداد) ، الكوفة ، البصرة ، واسط ، خراسان ومنها ما ضرب في سوريا في القرن العاشر أيضاً. لقد عثر على مسكوكات بكميات صغيرة يعود تاريخها إلى الخلافة الأموية في الأندلس وهذه القطع النـقدية تحمل نصوصاً عربية تشير إلى أصلها وتاريخ ضربها إضافة إلى بعض النصوص من القرآن، معظم هذه القطع النـقدية هي من الفضة من فئة الدرهم إلا أن بعضها من الذهب ومن فئة الدينار أيضاً ويعتقد بأن هذه المسكوكات كانت قد دفعت في المبادلات التجارية مقابل فراء السنجاب والثعالب إضافة إلى الرقيق وكانت هذه الكميات من القطع النقدية تخبأ وتطمر في الأرض في وقت الحروب والقلاقل ولم يعثر عليها إلا من خلال الحفريات التي قام بها علماء الآثار بعد ألف عام، كثيراً ما تم اكتشاف هذه الموجودات الثمينة عن طريق الصدفة البحتة، مثلاً أثناء قيام فلاح بحرث أرضه في جزيرة كوتلاند أو اولاند في بحر البلطيق أو أثناء قيام عامل بناء بحفر الأساس لبناء بيت في قرية قرب بحيرة ميلار في أواسط السويد. أما أهم الحفريات بحثاً عن مخلفات الفايكنغ فقد أجريت في بيركا التي يعتقد أنها كانت عاصمة السويد في تلك الحقبة وتظهر الدراسات التي أجريت على الأقمشة وتم العثور عليها في المقابر، أن بعض تلك الأقمشة كان يؤتى بها أيضاً من الشرق وأن ثياب الفايكنغ رجالاً ونساءً في بعض الحالات متأثرة بالتقاليد الشرقية. كما هو متوقع يظهر أنه كان من تقاليد الفايكنغ في تلك الفترة. إحضار الهدايا لزوجاتهم وعائلاتهم بعد غياب طويل كان في العادة يدوم عاماً كاملاً. وقد تم كذلك العثور في المدافن على سبحات من الخرز شرقية الأصل، وسبحات من العقيق الأحمر وقطع من الكريستال والزجاج الملوّن وهناك أيضاً قطع من الأواني الزجاجية المزخرفة، القناني، الأشياء، الموازين المعدنية والأدوات الضرورية للتجارة لأن قيمة النقود كانت تقدر بوزنها وليس بقيمتها المسكوكة، من ضمن هذه الأشياء أيضاً كأس واحدة فقط مصنوعة من الفخار المطلي وهي ذات مصدر شرقي، وإرضاء لأنفسهم ولأصدقائهم من الرجال كان الفايكنغ بعد رحلاتهم تلك يحضرون معهم قطعاً يعتقد أنها كانت بيادق الشطرنج. وكانوا أيضاً يضعون على أحزمتهم قطعاً ذات نقوش، زخارف ونتوءات مصبوبة من البرونز بأشكال كالتي نجدها في الدول الإسلامية اذ يعتقد بأن المهرة من حرفيّ الفايكنغ قد قلدوها فيما بعد ولكن مازال الكثير من جوانب تلك الحقبة من تاريخ الفايكنغ تشكل طلاسماً تحتاج دراسةً وتفسيراً. أحد هذه الطلاسم التي لم تحل بعد هي ماهية وأصول واحدة من أجمل الموجودات الأثرية الإسلامية من تلك الفترة. قبل أربعين سنة تقريباً، تم العثور على مبخرة ضخمة من البرونز وثلاثة ملاقط للجمر في غابة بعيدة عن مدينة يافله Gävle في أواسط السويد وكانت هذه الأشياء مخبأة مع قطعة معدنية أخرى في فجوة صخرية على سفح التلال. يدل مظهر المبخرة وزخرفتها الغنية بأشكال نصفية من أشجار النخيل. وشكل الإناء المربع وغطائه المقبب الشكل على أن مصدره يعود إلى البلاد الإسلامية شرقي البحر المتوسط أو ربما مصر ولكن لا توجد أدلة حاسمة عن أصل ومصدر وتاريخ هذه الأشياء. فقط عبارة واحدة محفورة بتعبير عربي غير صحيح، يفترض أنه يعني [بسم اللاهي رحيم] وبعد أن كانت هذه المبخرة يوماً لأحد أغنياء التجار أو ربما لأحد الخلفاء أو السلاطين، أحضرت إلى السويد لتزين اليوم متحف مدينة يافله. لقد دامت أسفار الفايكنغ والعلاقات بين الشرق والغرب فترة تنيف على القرنين. وفجأة توقف كل شئ في مطلع القرن الحادي عشر. يعود ذلك بشكل رئيسي إلى تبدل الظروف في السويد، بسبب انتشار المسيحية، أيضاً بسبب الهجمات من الشرق إلى داخل روسيا، بشكل قطع الطرق التي كان يعتمدها الفايكنغ في أسفارهم، كما سد مداخل الأنهار التي كانت تقل سفنهم باتجاه الشرق. لقد عثر على الزي الإسلامي بين قبائل الشمال الأوربي وامتزاج ذلك في الحضارة الإسلامية لما نشره موقع صحيفة Independent البريطانية اذ بفحص الثياب التي عثر عليها في قبور الفايكنغ ” النورمانديين ” انها تعود الى القرن التاسع والعاشر وقد اظهرت وجود النص العربي فيها، حتى ان كلمة الله ظهرت بوضوح في صورة زي المرأة.