طلعت رضوان يكتب | قصة الفلاح الفصيح (3-3)
الشكوى الثامنة:
فى اليوم التالى قال الفلاح للحاكم: إنّ الناس يتحملون السقوط بسبب الطمع. والإنسان الجشع عاجزعن النجاح..ولكنه ينجح فى الخيبة. إنك جشع وذلك لاينسجم معك. إنك تسرق وذلك لايُفيدك. أنت يا من يسمح للإنسان أنْ يُشرف على قضيته الحقة. ذلك لأنّ جوفك قد امتلأ..وفى بيتك ما يـُـقيم أودك..ومكيال القمح قد طفح..وإذا اهتزّفإنّ الفائض منه يتبعثرعلى الأرض. أنت من يجب عليه أنْ يقبض على اللص. إنّ الحكام وظيفتهم أنْ يكبحوا الكذب..وليس الخوف منك هوالذى جعلنى أشكوإليك. إنك لا تـُـبصرما فى قلبى..والإنسان الذى لايتكلم ويُدافع عن حقه يتردّد فى توبيخك..والذى يُطالب بحقوقه لايخاف. الحكام يعطونك ومع ذلك تغتصب، فهل أنت لص؟
أقم العدل لرب العدل..وإلهة العدل (ماعت) عدالتها موجودة..وأنت يا أيها القلم وأنت يا أيتها البردية..ويا أيتها الدواة ويا تحوت (رمزالكتابة) ابتعدوا عن عمل السوء. إنّ العدل سيكون إلى الأبد..ويذهب مع من يعمله إلى الجبانة..ويُدفن وتطويه الأرض. ولكن ستظل ذكراه للخير..وهذا هوالقانون فى كلمة الآلهة..هوالميزان والميزان لايجب أنْ يميل..هولسان الميزان إذن..ولايجب أنْ يحيد عن الحق. لايجب أنْ يغش فى الميزان. إنك لاتــُـظهرالرحمة. إنك لاتعطينى مكافأة على تلك الخطب التى تخرج من فم (رع) انطق بالعدل وأقم العدل فالعدل عظيم. لايجوزوجود الظلم مع القانون.
الشكوى التاسعة:
وكانت هذه الشكوى (والأدق كما يقول علماء المصريات) كانت آخر رسالة فى (نقد الحكم) وفيها قال الفلاح للحاكم: أيها المديرالعظيم إنّ لسان الناس ليس إلاّ لسان ميزانهم..هوالميزان الذى يبحث عن نقائصهم..ويدل على طبيعتهم..وقــّع العقاب على من يستحق العقاب..واعلم أنه لاشىء يُماثل استقامتك. إنّ الصدق ثروة الإنسان. والكذب يُضلل الإنسان. الكذب يُبعد الإنسان عن العبوربقاربه..ويجعله لايقوم بأى تقدم. لاتكن ثقيلا يا من لستَ خفيفــًا. لاتكن متحزبًا واستمع لقلبك..ولاتــُـدارى وجهك عن إنسان تعرفه..ولاتتعامى عن إنسان رأيته. اترك هذا الخمول ولتكن حكمتك ((اعمل الخيرلمن يعمله لك)) حكمة تــُـروى على مسامع الناس، فيرجع الناس إليك. الخامل لا ذكرى له..والأصم عن العدل لارفيق له. تأمل: إنى أشكوإليك وأنت لاتسمع شكواى، لذلك سأذهب وأشكوك لأنوبيس (أنوبيس أحد مساعدى أوزيرفى العالم السفلى وتولى عملية تحنيطه)
نهاية القصة:
بعد أنْ ألقى الفلاح (خنوم أنوب) مرافعته التاسعة، أمرالحاكم بعودته ثانية. خاف الفلاح واعتقد أنه سيُعاقبه على النقد الذى وجّهه إليه. فقال الفلاح إننى مثل الظمآن الذى يقترب من الماء، والإنسان الذى يقترب اللبن من فمه. إننى مثل الإنسان الذى يقترب من الموت ولكنه يأتى مُتباطئــًا)) ولكن كانت المفاجأة عندما سمع الحاكم يقول له ((أيها الفلاح.. جهّز نفسك على أنْ تعيش معى)) ولما اندهش الفلاح سمع الحاكم يقول له ((سيأتى كاتب ليسمع شكواك من جديد ويكتبها على أوراق البردى..وأمرته أنْ يجعل كل شكوى فى بردية مستقلة)) ثـمّ أمربإرسالها إلى ملك مصر(بنكاو- رع) الذى ابتهج بعد قراءتها..وأمربتدريسها للتلاميذ فى المدارس (ترجم البردية من الهيروغليفى إلى العربى عالم المصريات (سليم حسن) فى (موسوعة مصرالقديمة- ج18)
وجاء فى آخرالبردية أنّ الحاكم أمربعقاب اللص بأنْ يؤول بيته ومزرعته إلى الفلاح خنوم أنوب..ويرى بعض العلماء أنّ تلك العقوبة صورة رمزية للعقاب الذى يجب أنْ يقع على الإنسان (الطمّاع) الجشع الذى يستبيح لنفسه سرقة أموال غيره، خاصة لوكان هذا الإنسان على درجة من يُسرالحال..ويمتلك مزرعة وماشية مثل الموظف (تحوت – نخت) الذى أعماه الجشع فطمع فى المحصول الذى كان يحمله حمارالفلاح (خنوم أنوب) وعن هذه القصة كتب عالم المصريات برستد فى كتابه (فجر الضمير) ((هذا المشهد يُعد من أقدم الأمثلة التى تدل على المهارة فى تصويرالمبادىء المعنوية فى شكل مواقف ملموسة))