احمد السبكي يكتب | مصر والتحول الرقمي (1-2)
يواجه تقديم الخدمات الرقمية في مصر في هذه الأيام العديد من الصعاب، سواء في خروج الخدمات والبوابات الرقمية من الخدمة لوقت ليس بالقصير، أو عدم تكامل الخدمات الرقمية مع بعضها البعض، أو ضعف خدمات الاتصالات والضغط الشديد على المنافذ التقليدية لتقديم الخدمات الحكومية نتيجة لاضطرار المواطن للحصول على الخدمات من المنافذ الفعلية وليس المنافذ الإلكترونية.
ودعونا نبدأ بالخلفية التاريخية للتحول الرقمي في مصر، والذي بدأت إرهاصاته في الظهور مع إنشاء وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر عام 1999، ثم بدأ الحلم في التحول إلى حقيقة عام 2001 بعد إطلاق المرحلة الأولى من برنامج الحكومة الإلكترونية في وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. وقد تضمنت هذه المرحلة وضع والتصديق على الخطة الاستراتيجية للحكومة الإلكترونية والبدء في تنفيذ بعض المشروعات الاسترشادية (Pilot Projects).
ثم جاء عام 2004، الذي حمل لمصر تغييرا وزارياً موسعا أدى إلى إسناد تنفيذ مشروعات الحكومة الإلكترونية إلى وزارة الدولة للتنمية الإدارية التي تم تعديل مهامها، وتولى حقيبتها الدكتور أحمد درويش (الذي كان يتولى إدارة برنامج الحكومة الإلكترونية في وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات)، وفي هذه المرحلة تم البدء في نشر العديد من المشروعات جغرافيا وقطاعيا على نطاق قومي بعد أن تم تنفيذها على نطاق استرشادي.
ثم وصل قطار التطوير إلى عام 2007 وجاءت معه المرحلة الثانية من البرنامج تحت عباءة وزارة الدولة للتنمية الإدارية، وقد تضمنت هذه المرحلة البدء في تنفيذ عدد أكبر من المشروعات على المستوى القومي، وأيضا تطوير منظومة التنفيذ الحكومي لتتواكب مع متطلبات خدمات الحكومة الإلكترونية. وفي عام 2010 كانت بوابة الحكومة المصرية www.egypt.gov.eg تقدم ما يناهز 120 خدمة سواء للأفراد أو جهات الأعمال. وكانت هذه الخدمات تقدم من مصلحة الأحوال المدنية، وإدارات المرور المختلفة التابعين لوزارة الداخلية، أو نيابات المرور، والمحاكم المختلفة تحت مظلة وزارة العدل، أو التنسيق الإلكتروني من خلال وزارة التعليم العالي، أو حجز التذاكر الخاصة بوسائل المواصلات وخاصة القطارات من خلال وزارة النقل، أو تذاكر الأحداث الثقافية في دار الأوبرا تحت مظلة وزارة الثقافة، أو إنشاء الشركات الاستثمارية بأنواعها المختلفة بهيئة الاستثمار، وخدمات الإسكان الاجتماعي ودعم التمويل العقاري تحت مظلة وزارة الاستثمار، والعديد من الخدمات الحكومية الأخرى في العديد من الوزارات، كما شهدت هذه المرحلة أيضا إعادة هندسة العديد من الخدمات التي كانت تقدم، مع دمج العديد من الهيئات المتماثلة المهام مثل هيئة التمويل العقاري، وهيئة الرقابة على التأمين وهيئة الرقابة على سوق المال في هيئة واحدة هي هيئة الرقابة المالية.
في هذه الفترة قفز الترتيب العام لمصر في مؤشر الحكومة الإلكترونية والذي تصدره الأمم المتحدة (UNPAN Report) من المرتبة 162 عام 2003 إلى المرتبة 136 عام 2004، ثم إلى المرتبة 99 عام 2005، ثم إلى المرتبة 86 من 192 دولة عام 2010، كما وصلت مصر إلى المرتبة 23 عالميا في مؤشر الخدمات الإلكترونية. ويعني هذا أن ترتيب مصر قد حقق قفزة تاريخية مقدارها 76 مرتبة في حوالي سبع سنوات، وهي قفزة غير مسبوقة في مثل هذا المؤشر على مستوى دول العالم.
وهنا يأتي السؤال الهام، كيف استطاعت مصر تحقيق هذه القفزات غير المسبوقة في خلال هذه الفترة الزمنية المحدودة؟ إن القفزة الكبيرة حدثت بين عامي 2004 و2005 من المرتبة 136 إلى المرتبة 99، وقد حدث هذا بسبب واضح وقوي وهو فصل برنامج الحكومة الإلكترونية من وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وإلحاقه بوزارة الدولة للتنمية الإدارية التي أصبح شاغلها الشاغل تنفيذ هذا البرنامج دون سواه.
إن تخصيص وزارة دولة همها الأول والأخير هو برنامج محدد بعينه، واستقطاب خيرة خبراء مصر في هذا المجال لقيادة مشروعات تلك الفترة، أدى إلى حدوث تلك الطفرة، وارتفاع مرتبة مصر في هذا المجال من المرتبة 99 في الترتيب العام 2005 إلى المرتبة 86 في الترتيب العام وإلى المرتبة 23 في مؤشر الخدمات الإلكترونية لعام 2010.
* أحمد السبكي، عضو مجلس إدارة غرفة صناعة تكنولوجيا المعلومات.