آصف ملحم يكتب | السيناريوهات المحتملة لحوادث “زاباروجيا”

0

نعتمد في دراستنا للسيناريوهات المحتملة للأخطار والتهديدات في المنشآت النووية على ما نسميه التحليل الإحتمالي، وهو يستند إلى رصد جميع الأحداث الممكنة في تلك المنشأة. هذه الأحداث تكون عادةً مترابطة سببياً فيما بينها. فكل حدث سيقود إلى آخر أو إلى مجموعة أخرى من الأحداث، وهذه بدورها ستقود إلى مجموعة ثالثة وهكذا دواليك، و قد تخرج المنشأة عن السيطرة في مرحلة معينة من تطور الأحداث، أو يتم التدخل بهدف التخفيف من آثار الخطر، كما أن عمليات التدخل تخضع لسلسلة من الإجراءات مبنية على التحليل الإحتمالي لتطور الأحداث في تلك المنشأة.
بناءً على هذه المعلومات نقوم ببناء ما يسمى شجرة السيناريوهات الممكنة، ثم نقوم بتقدير إحتمال حدوث كل حدث على حده بناءً على المعلومات الفنية المتوفرة. ومن دراسة هذه الإحتمالات نقوم باستنتاج السيناريوهات الأرجح لحدوث تهديدات نووية في تلك المنشآت.
الأحداث هي ظواهر فيزيائية-كيميائية أو طبيعية أو بشرية. و يمكن أن نذكر منها، على سبيل المثال:
حدوث بركان، زلزال، عاصفة، سقوط الأمطار أو الثلوج، تغير درجة حرارة الهواء المحيط، غياب مجموعة من الموظفين، ارتفاع درجة حرارة الماء في أحواض التبريد، سقوط قذيفة على المنشأة، توقف مولد عن العمل، انقطاع التغذية بالطاقة الكهربائية في بعض الأجهزة … وغيرها.
في الكثير من الأحيان يتم ربط الأحداث بمتحولات فيزيائية ما (مثل: الحرارة، الضغط، سرعة تدفق المياه في الأنابيب، تركيز بعض الغازات في حجرة المفاعل، مستوى الإشعاع النووي في مكان ما من المنشأة … الخ)، لأن إحتمال تطور أي أحداث لاحقة يتعلق بقيمة هذه المتحولات الفيزيائية، كما أن هذا المتحولات الفيزيائية ترتبط بغيرها أيضاً، لذلك يتم رصد مجال معين لتغير قيم هذه المتحولات وتحديد طبيعة الأحداث التي يمكن أن تنشأ لاحقاً مع احتمالاتها طبعاً.
من سخرية الأقدار، الحدث يمكن أن يحدث حتى لو كان إحتماله ضعيفاً جداً أو حتى معدوماً، وهذا ما نسميه في علم الإحتمالات بـ (الحدث شبه المستحيل). لذلك، وفق التوصيات المعمول بها في معايير السلامة والأمان في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لا بد من دراسة وتحليل أي حدث حتى لو كان ضعيف الإحتمال، فالتنبؤ بإمكانية حدوثه أو لا غير ممكن على الإطلاق.
أثناء زيارة وفد الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى محطة زاباروجيا النووية تم التركيز على الأضرار الخارجية الناجمة عن أعمال القصف، وهذا في الحقيقة لا يكفي لتقييم حالة السلامة والأمان في المحطة، فهناك الكثير من الأحداث الداخلية، التي قد تنشأ لسبب ما، وقد تتطور هذه الأحداث إلى مراحل خطيرة جداً. كما أن الأضرار الخارجية جرى استثمارها سياسياً من قبل بعض الأطراف الدولية بهدف شيطنة روسيا؛ فعمليات القصف المتبادل مستمرة بين الطرفين، ومن الصعب جداً تحديد المسبب الحقيقي لتلك الأضرار.
من أهم هذه الأوضاع التي أهملها فريق الوكالة هي حالة أحواض تبريد الوقود النووي Spent fuels pools ضمن بناء المفاعل؛ إذ ذكر المدير العام في تقريره الصادر في أيلول – سبتمبر الماضي أن أحواض التبريد تعمل بشكل جيد.
تكمن مشكلة الأحواض بأنه يتم الإحتفاظ بالوقود النووي فيها لمدة قد تصل إلى 5 سنوات، وبعد أن يضعف نشاطه الإشعاعي بشكل كبير يتم نقله إلى منشأة تخزين الوقود النووي الجاف Dry spent-fuel storage facility، حيث يتم وضعه ضمن براميل إسمنتية كبيرة casks، وهذه المنشأة موجودة ضمن محيط المحطة، وهي محاطة بسور عالٍ للوقاية من الإشعاعات.
في أحواض التبريد، يُوّلد الوقود النووي كمية من الحرارة بسبب عمليات التفكك الإشعاعي، لذلك يجب أن تكون أنظمة التبريد في حالة عمل مستمرة. ولقد قمنا بدراسة أحواض التبريد و حسبنا الزمن اللازم لغليان المياه وتبخرها الكلي في بحث مفصل (انظر رابط المرجع المرفق في الأسفل).
في هذه الحالة هناك عدة سيناريوهات محتملة لحدوث حادث نووي ما:
1-تعطل أنظمة التبريد بسبب انقطاع التغذية الكهربائية عنها الأمر الذي سيؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الماء والوقود النووي معه، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى اندلاع التفاعل النووي التسلسلي وبالتالي خروج المنشأة عن السيطرة.
2-بسبب ارتفاع درجة الحرارة سيبدأ الماء المحيط بالوقود النووي بالغليان والتبخر مما قد يؤدي إلى انكشاف الوقود النووي وبالتالي ارتفاع حرارته بشكل كبير، الأمر الذي قد يؤدي إما إلى اندلاع التفاعل النووي التسلسلي أو تخريب البنى المعدنية التي تحمل الوقود النووي، وبالنتيجة خروج المنشأة عن السيطرة.
3-بسبب الارتفاع الكبير في درجة الحرارة سيبدأ توليد الهيدروجين عن طريقين: إما بالتحليل الإشعاعي المباشر للماء أو عن طريق تأكسد معدن الزركونيوم في الماء أو بخار الماء. يكون معدن الزركونيوم عادةً على شكل أنابيب محيطة بقضبان الوقود النووي. الهيدروجين هو غاز قابل للإشتعال، وبالتالي قد يؤدي تفاعله مع الأوكسجين الجوي إلى انفجار كبير.
ولقد حدث هذا النوع من الإنفجار في محطة فوكوشيما اليابانية في عام 2011. كما أنه حدث تسرب للهيدوجين في عام 1979 في محطة Three Mile Island في ولاية بنسلفانيا الأمريكية.
4-إضافة إلى تأكسد الزركونيوم في الماء فإنه يتأكسد في الهواء أيضاً، و الزركونيوم يدخل في تفاعل نتردة مع النتروجين الجوي. كما أن المعادن الداخلة في تركيب البنى المعدنية المحيطة بالوقود النووي (وهي: الحديد، النيكل، الكروم) تتأكسد أيضاً. هذه التفاعلات جميعها هي تفاعلات ناشرة للحرارة، الأمر الذي سيؤدي إلى تسريع تسخين الماء وغليانه وتبخره وإطلاق الهيدروجين من جهة، و ازدياد درجة حرارة الوقود النووي بشكل أسرع من جهة ثانية، ونتيجة لذلك كله قد يندلع تفاعل نووي تسلسلي وتخرج المنشأة عن السيطرة.
للأسف لم يدرس فريق الوكالة الدولية للطاقة الذرية أياً من هذه السيناريوهات، مع العلم أنه يوجد حوادث نووية سابقة، ذكرناها في الأعلى، ولا أعتقد أن أعضاء الفريق لا يعلمون ذلك.
ختاماً، لا بد من الإشارة إلى أن حدوث انفجار في أحواض تبريد إحدى المفاعلات النووية لمحطة زاباروجيا، سواء بسبب اشتعال الهيدوجين المتراكم أو بسبب التفاعل النووي التسلسلي، قد يؤدي إلى انتشار الغبار النووي إلى مسافة قد تصل إلى ما بين 100 إلى 1000 كيلومتراً، تبعاً للظروف الجوية، وسيصعب السيطرة والتغلب على هذه الآثار خلال عشرات السنين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.