كريم عرفان يكتب | الشافعى فيلسوف العرب

0

الشافعى ليس مجرد “رجل تشريع ” أو ” فقيه كلاسيكى” ألف وصنف مذهبا فقهيا مستقلا ..
فالشافعى مؤسسة علمية متكاملة حوت معارف عديدة من فلسفة ومنطق وتشريع ولغة وغيرها ..وقد وظف الإمام تلك المعارف والعلوم في اختراع علم لم يُسبق إليه؛ امتزج فيه العقل بالنقل ؛أو كما قال الإمام الغزّالى : ” وأشرف العلوم ماازدوج فيه العقل والسمع واصطحب فيه الرأي والشرع وعلم الفقه وأصوله من هذا القبيل فإنه يأخذ من صفوة الشرع والعقل سواء السبيل فلا هو تصرف بمحض العقول بحيث لا يتلقاه الشرع بالقبول ؛ ولا هو مبنى على محض التقليد الذى لا يشهد له العقل بالتأييد والتسديد ” ..

فالشافعى قد ابتكر ” علما فلسفيا ” مميزا وهو علم” أصو ل الفقه” والذى يعتبر بمثابة ” نشأة التفكير الفلسفى في الإسلام ” كما قال د/ مصطفى عبد الرازق في كتابه ” تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية ” وتابعه على ذلك جل العلماء والباحثين ..
وهذا ماجعل العلماء والباحثين -شرقا وغربا- يعتبرون الشافعى هو المقابل لأرسطو في العالم العربى والإسلامى كما قال كولسون N.J.coulson وغيره ؛ وذلك العمل التجديدى الذى جعل فقهاء عصره يلقبونه ب”مجدد القرن الثانى” ..
وصدق جوزيف شاخت joseph Schacht حينما وصف الشافعى بقوله :”هو باعث اليقظة في الفكرة الفقهية الإسلامية ” .
فقد وضع الشافعى ” منطق ” خاص للفقه الإسلامي مثلما فعل أرسطو من قبل ووضع “منطق ” للفلسفة ؛ ولكن الإمام كان مستقلا في الفكر ومستقلا في التصنيف فقد آثر أن يضع أسسه وأصوله -التى أودعها في مصنفه العظيم “الرسالة” – ويبنى “منطقه” الفقهى على اللغة العربية وأساليبها وقوانينها ؛ وقرر الإمام الشافعى استبعاد المنطق الصورى الأرسطى تماما ؛ فقد رأى الشافعى أن المنطق الأرسطى يستند على اللغة اليونانية التي تخالف في خصائصها وتراكيبها اللسان العربى ..
وبذلك نشأ ما يصح أن نطلق عليه ” خصوصية اللسان العربى ” على يد الإمام الشافعى ؛ فقد جعل الإمام من اللغة العربية الأداة الرئيسية لفهم النصوص الشرعية وترتب على ذلك اكتساب الأمة العربية الكثير من الإستقلال الثقافي والفكرى الذى بنى على خصوصية اللغة العربية وتفردها .
وبذلك استحق الشافعى أن يكون “فيلسوف العرب” وأن تكون منزلته في العالم العربى والإسلامى بمنزلة أرسطو في العالم الهيلينى.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.