علاء مصطفى يكتب | “التجربة الدنماركية” في التحول الرقمي

0

هل كان الفنان “عادل إمام” يعلم، وهو يبدع في فيلمه الشهير “التجربة الدنماركية” أن تلك الدنمارك ستصبح لديها تجربة حقيقية ملهمة في مجال التحول الرقمي؟ لا أظن، ولكن يمكن الآن إلقاء الضوء على هذه التجربة.
المقال دعوة لاستعراض تجربة مميزة قامت بها الحكومة الدنماركية في مارس 2021 لتأسيس شراكة مِن أجل مُستقبل التطوير الرقمي في الدنمارك وذلك لضمان تحقيق مصَالح القِطَاعين الخَاص والعَام من تنفيذ الاستراتيجيات الرقمية الجَديدة.
منذ بداية الألفية الجديدة، شهدت الدنمارك تحولًا رقميًا ملحوظًا، حيث أصبح المجتمع الدنماركي واحدًا من أكثر المجتمعات اعتمادًا على التقنيات الرقمية في العالم. وقد تصدرت الحكومة الدنماركية مؤشر تطور الحكومة الإلكترونية في إصدار الأمم المتحدة لعام 2022. ويستخدم معظم المواطنين والشركات في الدنمارك القنوات الرقمية للتواصل مع القطاع العام، كما يعتمدون بشكل كبير على الخدمات الرقمية لرعاية الأطفال والرعاية الصحية وسداد المدفوعات وتسجيل الشركات.
التطور الرقمي في الدنمارك ليس وليد الصدفة ولكنه يقوم على خطط استراتيجية وتعاون قوي بين كافة الأطراف المعنية في الصناعة، بالإضافة إلى دعم سياسي وشعبي قوي. فعلا سبيل المثال نجد أنه في مارس 2021، أنشأت الحكومة الدنماركية شراكة ثنائية لتطوير مستقبل التحول الرقمي في الدنمارك، لضمان تحقيق مصالح القطاعين العام والخاص كنتيجة لتطبيق الاستراتيجية الوطنية الجديدة. شراكة تتألف من 28 عضوًا من الشركات الدنماركية ومؤسسات الأبحاث والمجتمع المدني والحكومة، تهدف إلى تقديم الرؤى والاستشارات للحكومة بشأن كيفية استثمار التقنيات الجديدة ونماذج التحول الرقمي المختلفة. وبعد ستة أشهر قدموا بالفعل ما يقرب من 46 توصية في أكتوبر من العام نفسه، وكانت هذه التوصيات أساسًا للاستراتيجية الرقمية الوطنية الأولى في الدنمارك التي تشمل القطاعين الحكومي والخاص.
في رأيي أن المميز في «التجربة الدنماركية» ليست الاستراتيجية في حد ذاتها ولكن آلية الوصول لها واشراك كافة اللاعبين الأساسيين وحالة الحراك المجتمعي التي صاحبتها. ويمكننا إبراز هذه المميزات في النقاط التالية:
• التعاون: حيث جمعت التجربة ممثلين من مختلف القطاعات، بما في ذلك مجتمع الأعمال ومؤسسات المجتمع المدني والمجتمع البحثي وممثلي الحكومة، لتحديد اتجاه التحول الرقمي في الدنمارك. الأمر الذي يضمن أن الاستراتيجية شاملة وتأخذ في الاعتبار وجهات النظر والاحتياجات المختلفة لكافة الأطراف المعنية.
• التوصيات المحددة: أسفرت الشراكة عن 46 توصية محددة ضمن 7 مجالات، والتي تعتبر خارطة طريق واضحة للتحول الرقمي في الدنمارك تساعد على تركيز الجهود والموارد في نفس الاتجاه دون تشتيت.
• مواجهة التحديات الاجتماعية: حيث تناولت التوصيات المقدمة من الشراكة بعض من أهم التحديات التي تواجه المجتمع الدنماركي، مثل التحول إلى الاقتصاد الأخضر وتعزيز المنافسة الدولية وتقليل الضغوط المستمرة على نظام الرعاية الاجتماعية وذلك بتوظيف إمكانات التحول الرقمي، بهدف تحسين حياة المواطنين ونمو الأعمال.
خلاصة القول، التحول الرقمي الناجح في الدول ليس نتاج عقل واحد، بل هو نتاج عصف ذهني مجتمعي، يجمع بين رؤى وأفكار مختلفة، من كافة الأطراف المعنية، لتحديد الأولويات، وتصميم استراتيجيات تحقق النجاح.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.