م.عبدالرحيم خطاب يكتب | انتصارات رمضان …ذكري الماضي وأمل المستقبل

0

إن شهر رمضان من الأشهر الكريمة والمواسم العظيمة ، وهو شهر بركاته مشـهورة ، وخيراته موفورة ، والتوبة فيه من أعظم الغنائم الصالحة ، والطاعة فيه من أكبر المتاجر الرابحة ، جعله الله مضمار الزمان ، وضمن فيه للتائبين الأمان ، مَن عوّد نفسه فيه بالاجتهاد ، فاز فيه بحسن الاعتياد فيجبر الله فيه كسر القلوب ويشرح بالإيمان فيه الصدور.
و من القواعد المقررة عند العلماء أن الزمان يشرف بما يقع فيه من الحوادث التي هي الأصل في إعطاء القيمة الاعتبارية للزمان ، وبمقدارها يكون مقداره وبفضلها يكون فضله ، وكلما كان ارتباط الناس بالحادثة قوياً وتأثرهم بـها عظيماً كان ارتباطهم وتأثرهم بالزمان الذي وقعت فيه بنفس القوة ، وهو أدعي الي ربط الأمة بالتاريخ ، وتعميق مفهوم إحساسهم وشعورهم الديني بالوقائع والحوادث الدينية والوطنية .
ومن هذه القاعدة ننطلق إلى كل خير وبر ومعروف ، وهي كلها بإذن الله مقبولة ،مغتنمين فرصة الزمان التي تنشط فيها الأذهان لتسـتعيد الذكريات ، وترجع بالعقل والقلب والعاطفة إلى الوراء .. للشوق إلى التاريخ .. للنظر إلى الماضي للإعتبار ، وهذا هو الدرس العلمي الذي لا تستطيع الجامعات بأساتذتـها ومحاضراتـها ولا المدارس بمناهجها ومقرراتـها أن تنقل الناس إليه ليعيشوه ويدركوه ويحسوا به قلباً وعقلاً وعاطفةً .
إننا حين نحتفل بذكرى غزوة بدر أو ذكرى الهجرة أو ذكرى الإسراء والمعراج أو ذكري انتصارات اكتوبر المجيدة العاشر من رمضان أو بمناسبة شهر رمضان ، إنما ندعو الناس إلى الارتباط بعقولهم وقلوبـهم وعواطـفهم بالحقائق والحوادث التي تملأ ساحة هذه الأزمنة ، ليس تعظيماً لـها أو تأليهاً أو اعتقاداً ، وإنما تعظيماً لله الذي خلق الزمان والمكان ، تعظيم العبد للرب سبحانة وتعالي.
إن المتأمل في أحداث شهر رمضان عبر التاريخ الإسلامي سيجد أمورًا عجيبة، هذه الأمور ليست مصادفة، و كل شيء عند الله عز وجل بمقدار، سيجد أن المسلمين ينتقلون كثيرًا من مرحلة إلى مرحلة أخرى في شهر رمضان، من ضعف إلى قوة، و من ذلٍّ إلى عزَّة. و من ضيق إلى سعة ،و قد ارتبط شهر رمضان بالجهاد والنصر دائماً
ففي شهر رمضان غزوة بدر الكبرى في 17 رمضان سنة 2 هـجرية لماذا تكون أول غزوة في رمضان؟ لماذا أول صدام حقيقي مع المشركين يكون في رمضان؟ لماذا هذا الانتصار الباهر الهائل يكون في رمضان؟ لماذا لا يكون في أي شهر؟! أعتبر هذا رسمًا لسياسة الأمة و تخطيطًا لمستقبلها، فأُمَّة لديها شهر تستطيع أن تُغَيِّر فيه نفسها تمامًا، أن تبني نفسها، أن تنتقل من مرحلة إلى مرحلة؛ يقول ربنا سبحانه: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَ أَنْتُمْ…}. و أنتم ماذا؟ {وَ أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ }
لقد تغير المسلمون تمامًا بعد موقعة بدر، فبعد بدر أصبحت للمسلمين دولة معترف بها، أصبحت لهم شوكة قوية و مكانة و وضع مستقر؛ انتقل المسلمون إلى مرحلة جديدة، العالم كله سمع عن هذه الدولة
فبدر ليست كأي غزوة، فهي غيَّرت مجرى التاريخ؛ لذلك سماها ربنا عز وجل يوم الفرقان، و ربطها بشهر رمضان من أجل أن نتفكر دائمًا في هذا الشهر، فحُفِرَت في وجدان كل صغير و كبير، و في وجدان كل رجل و امرأة،
راجعوا غزوة بدر؛ ففيها زُرِعَ الأمل في نفوس المسلمين إلى يوم القيامة؛ ما دام الله معك فالنصر -لا شك- حليفك، قواعد و أسس و أصول وُضِعَتْ في غزوة بدر. و علينا بوحدة الصف لننتصر، قال ربنا سبحانه: {وَ لاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِيحُكُمْ}
و في 10 رمضان 1363 هـجرية (6 أكتوبر 1973م)، عبر الجيش المصري قناة السويس و حطم خط بارليف، و ألحق الهزيمة بالقوات الصهيونية، في يوم من أيام العرب الخالدة التي سطرها التاريخ في أنصع صفحاته بأحرف من نور، ففي هذا اليوم وقف التاريخ يسجل مواقف أبطال حرب أكتوبر الذين تدفَّقوا كالسيل العرم يستردون أرضهم، و يستعيدون كرامتهم و مجدهم؛ فهم الذين دافعوا عن أرضهم و كافحوا في سبيل تطهيرها في هذا الشهر العظيم، شهر العزة والنصرللكثير من الاحداث التي وقعت فيه بدأ بغزوة بدر الكبري وفتح مكة ،، ومروراً بفتح الأندلس وفتح عمورية ومعركة حطين الكبري وعين جالوت ونهاية بحرب اكتوبر العظيمة .
وينبغي للمسلم أن يغتنم الأوقات المباركة والأزمنة الفاضلة وخصوصاً شهر رمضان وبالأخص العشر الأواخرمنه وليلة القدربالاستكثار فيها من الاشتغال بالاعمال الصالحة والتذلل لله بالدعوات والاستغفَار الذي هو أعظم وأولى ما ينبغي على المؤمن الحريص أن يشتغل به في الأزمنة الفاضلة التي منها رمضان وليلة القدر وهو من أسباب تيسير الرزق ، وفيه تكفير للذنوب وتفريج للكروب وإذهاب للهموم ودفع للغموم ، و ذلك لأن كثرة الهموم وتوالي الأكدار ، سببها شؤم الذنوب والإصرار ، فجدير بأن يكون دواؤها الاستغفار وصدق التوبة والاعتذر .
يا موسمَ الطاعاتِ قد أسعدْتَنَا
كرماً فصرتَ بما أتيت مُسددَا
فأراكَ تحملُ رحمةً تُحيي بها
موتى الضمائرِ كي تعيشَ وتصمُدَا
وأرى جمالكَ في خُشوعِكَ كامنٌ
سُبحانَ مَنْ جَعَلَ الخشوعَ لنسجُدَا
ياشهرَنا الغالي حديثك ثروةٌ
للنفس في زمنٍ تولّاهُ الردى
نسعى إليك وأنت تُقْبِلُ مُسرِعاً
فلنا بقربِكَ ذكرياتٌ تُقْتَدى
و ليلة القدر التي نلتمسها في العشر الأواخرمن رمضان ليلة معظمة مباركة مكرمة يتجلى الله فيها على خلقه بعموم مغفرته وشمول رحمته فيغفر للمستغفرين ويرحم المسترحمين ويجيب دعاء السائلين ويفرج عن المكروبين ويعتق من النار الرقاب
والدعاء من أعظم أبواب الفرج ، وملجأ المضطرين ، ومتنفس ذوى المآرب . وقد أمر به الله تعالى فقال : ﴿ ادعوا ربكم تضرعاً وخفية ﴾ وقال تعالى : ﴿ وقال ربكم ادعونى أستجب لكم ﴾ وقال تعالى ﴿ وإذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ﴾
فمن فتح له منكم باب الدعاء ، فتحت له أبواب الرحمة ، فاسألوا الله العافية ولمصرنا الغالية الرفعة والنهضة والنجاح والتقدم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.