إبراهيم الشهابي يكتب | إعادة انتاج مشروع الشرق الأوسط الكبير
ليس صحيحاً أن القوى الدولية أعطت ظهرها لمنطقة الشرق الأوسط بدافع الانشغال فى مناطق صراع أخرى .. هذا فقط مجرد دعاية إعلامية وسياسية بهدف الضغط على اللاعبين الإقليميين لا أكثر .. فلا أمريكا ستعطى ظهرها ولا الصين أو روسيا سيتركون الشرق الأوسط منشغلين بالصراع على مناطق أمنهم المباشر .. إذ التاريخ يؤكد دوماً .. أنه ما ان تصل قوى الصراع الكبرى الى نقطة التوازن وترسم قواعد الاشتباك فيما بينها .. حتى تبحث هي الأخرى عن مناطق نفوذ تعزز حضورها الدولي .. ولن يجد اللاعبون الدوليون منطقة خصبة وبها حالة فراغ نفوذ أكبر من الشرق الأوسط .. وإن لم تستطع القوى الإقليمية أن تدير خلافاتها فيما بينها ستصبح كلها مجرد معابر لحالة الصراع العالمي الى قلب المنطقة .. هذا الصراع الذى سينتج عنه فوضي ضخمة ستآخذ الجميع بالجميع.
هناك سؤال واضح؟ هل ستنجح القوى الإقليمية والدول الفاعلة في الشرق الأوسط في إدارة خلافاتها وتبيانات مواقفها بشكل فعال بعيداً عن الانخراط في الفوضى، وهل يمكن وضع قواعد اشتباك واضحة المعالم في إدارة النزاعات الجارية داخليا في الشرق الأوسط؟
لاشك أن كل القوى الإقليمية تحتاج إلى تصور مشترك تجاه معالجة قضايا الشرق الأوسط.. إذ أن الحقيقة الدامغة التي لا شك فيها .. أن محاولات بناء النفوذ بالتدمير وأستغلال الميليشيات بهدف كسب نفوذ للتفاوض هو نوع من أنواع الحماقة التي ثبت خطأها الاستراتيجي الأن .
الحقيقة أن ما جرى من تداعيات للشرق الأوسط الكبير لم يكن لينجح إلا بتداخل غير مسؤول من بعض القوى الإقليمية التي تفاعلت وانخرطت في حالة الفوضى كفاعلين بمنطق تحقيق النفوذ أو حتى من تداخل بمنطق دفاعي لم يستطع تحقيق هدفه بل ربما رفعت عليه تكلفة أمنه، والحقيقة أن ال 13 عاماً الماضية كشفت للجميع، أن الاستثمار في الفوضى غير آمن، ويحمل من الآعباء أكثر من المكاسب .. وأن الفوضى إذا دارت عجلتها لن تكون هناك دولة بمنأى عنها.
وهنا السؤال هل يمكن أن تكون منطقة الشرق الأوسط منطقة سلام واستقرار؟
الإجابة قياسا بالوضع الحالي تعتبر صعبة ومعقدة لكن ليست مستحيلة .. إذ لا يوجد سلام في ظل الفوضى الخلاقة .. ولا يمكن تصور أن تنتج الفوضى حلولاً تنتهى بالسلام .. كما أن توازن القوى بين الضعفاء المنهكين لن ينتج شرق أوسط قادر على المساهمة في حالة الاستقرار الدولي .. أو قادر على حماية مصالحة على الأقل.
حالة الفوضى انطلقت بعد الاحتلال العسكري الأمريكي للعراق وقبلها أفغانستان وكانت نهاية المغامرتين أن تركت الولايات المتحدة العراق لإيران وأفغانستان لطالبان .. ثم انطلقت حالة الفوضى بما جرى على أرض سوريا وليبيا مما عزز حالة الصراع بل جعل كل مقومات الصراع موجودة وحاضرة.
ان الاستقطاب الجيوسياسي الحاد على الصعيد الأمني والعسكري .. عمق جذور الصراع لتشمل النسيج الاجتماعي للعرب والترك والإيرانيين وليس أدل على ذلك من حالة الاستقطاب السنى الشيعي الذى يجري الأن في كل نقاط التماس العربي مع أيران .. وكذلك فإن الطموح التركي لإستخدام الإسلام السياسي كذراع جيوسياسي لها في المنطقة أدى الى تعزيز قوى التطرف والإرهاب بشكل غير مسبوق.
وكذلك فإن الحضور الإسرائيلي في المنطقة يعتمد بالأساس على حالة الاستقطاب الجيوسياسي والعسكري في المنطقة .. إذ تستمد تل أبيب شرعية وجودها من النزاع الخليجي الإيراني وكذلك في حالة التقارب مع المملكة المغربية فهو تقارب بحسابات النزاع السياسي بين المغرب والجزائر .. بالتالى فإن إسرائيل هي جزء من حالة الصراع والنزاع في منطقة الشرق الأوسط .. ولا يمكن تصور أن تصبح بسياساتها الحالية تجاه الشعب الفلسطيني جزءاً فاعلاً في قضية السلام الإقليمي .
هذا الاستعراض الطويل لتعقيدات الصراع في منطقة الشرق الأوسط يؤكد بدون شك .. أن استمرار حالة التفريغ الأمنى في منطقة الشرق الأوسط يحمل تهديدات ضخمة لكل المناطق التي تحيط بالشرق الأوسط .. فلن تتوقف مشاكل أوروبا من الشرق الاوسط عند تدفق اللاجئين ونحن الأن نرى أن أوكرانيا في طريقها لتصبح سوريا جديدة في شرق أوروبا .. ولا يخفى هنا أدوار الميليشيات القادمة من الشرق الأوسط الى شرق أوروبا .. وبالعكس فإن حجم تدفقات السلاح الضخمة التى يتم شحنها الى أوكرانيا واتساقاً مع حالة الضعف الهيكلي للدولة الاوكرانية سيؤدى حتماً الى تسللها الى الشرق الأوسط .. كذلك فإن حضور طالبان في أفغانستان وفي ظل الازمات التي تعانيها باكستان الأن .. يعزز فرص أمتداد حالة الفوضى التي جرت في المنطقة العربية وانتقالها الى عمق آسيا .. ولكن بشكل قد يهدد أمدادات الطاقة من الخليج وبحر قزوين على قدم المساواة.
لذلك فإن إعادة ترميم هياكل الدول الوطنية التي انهارت في منطقة الشرق الأوسط بات ضرورة ليس لاستقرار الشرق الأوسط فقط وانما لضمان الاستقرار الدولي .. والسؤال الحقيقي من أين نبدأ؟
– أن السلام في الشرق الأوسط .. يجب ان يتضمن 5 اتجاهات استراتيجية وهي
– اولاً .. وقف تدفقات السلاح للجماعات الإرهابية أو أي ميليشيات يمكن أن توسع مناطق الفراغ الأمني في ليبيا وسوريا واليمن .. وكذلك أن تتوقف كل من القوى المتشاركة في حالة النزاع عن الإمداد بالسلاح أو استخدام الميليشيات في تصفية الحسابات بين الدول الوطنية في المنطقة .. والحقيقة أن مجريات الصراع الحالية اثبتت أن الفوضى لن تنتج منتصر أو مهزوم .. وإنما ستؤدى الى خلق بؤر توتر ترفع من تكلفة الحفاظ على الأمن اقليمياً .
– ثانياً .. أن ما يجري في السودان حالياً .. يحتاج الى معالجة أقليمية مختلفة عن ما جري في سوريا وليبيا واليمن وغيرها .. وأنما تحتاج الى توافق يستهدف دعم الاستقرار والتهدئة، حفاظاً على جهاز الدولة قوياً ومتماسكاً والحفاظ على وحدة المجتمع السوداني مع العمل على الحفاظ على وحدة أراضي السودان ودعم المرحلة الانتقالية لحين تشكيل حكومة مدنية منتخبه .
– ثانياً .. اقتناع كل اطراف المنطقة بضرورة دعم تنافسية المنطقة كأحد مصادر الطاقة في العالم .. وكأحد الممرات الدولية للتجارة الدولية، وأن ذلك لابد وأن يرتكز على حماية الممرات المائية وتأمين حركة النفط والغاز الى العالم .. وهذا يستوجب وضع حلول فاعلة للنزاعات الجارية على مناطق المضائق وعلى تخومها .. وأن هذا يستوجب عدم امتلاك الميلشيات قدرات صاروخية او درونات تمكنها من التأثير الضار على حركة النفط والغاز وتعزيز فرص إقامة مشروعات الطاقة النظيفة .
– ثالثاً .. اعلان منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح النووي وعلى رأسها الترسانة النووية الإسرائيلية وكذلك المخاطر التي تنطوي على امتلاك أي طرف لتقنيات انتاج الأسلحة النووية، لأن ذلك من شأنه أن يفتح الباب واسعاً لسباق تسلح كبير في منطقة الشرق الأوسط .. كما أن سباق التسلح سيعزز بالقدر نفسه من أدوار الميليشيات الإرهابية والطائفية والجهوية .
– رابعاً .. إقامة سلام فلسطيني إسرائيلي قائم على حل الدولتين .. ذلك لأن عدم الادراك الإسرائيلي أن الهجوم المستمر على مشروع الدولة الفلسطينية بكل الأشكال أو تصورها ان مشروع الدولة الفلسطينية بات من الماضي .. او رغبتها الغير مسئولة في تصدير الواقع الديمغرافي الفلسطيني الى دول الجوار سيجعلها بلد من خارج المنطقة على الدوام .. وبلد تكمن نظرية أمنه فى اضعاف الآخرين وتصدير الازمات للجوار .
– ولا شك أن السلام في المنطقة يبدأ من فلسطين ودولتها .. خاصة وأن القضية الفلسطينية وخلال العقود الماضية .. كانت أداة الحشد السياسي لحالة الصراع المذهبي والعقائدي في منطقة الشرق الأوسط .
– خامساً .. الاتفاق بين القوى الأقليمية على ضرورة وضع إطار تكامل اقتصادي أقليمي يصنع منها منطقة جذب أقتصادي .. ومنطقة لامتصاص العالم لأزمات الحروب التجارية والصراعات الاقتصادية العالمية .
اخيراً لدى الشرق الأوسط الفرصة ليلعب دوره في حفظ الأمن العالمي .. وامتصاص مخاطر تحول الصراع العالمي الى حرب عالمية .. وهناك مسئولية تاريخية للدول الفاعلة فيه .. وهى عدم جعله جزء من رقعة الانفجار الجيوسياسي الدولى الحال.