عبدالله عيسى الشريف يكتب | ما الذي يجرى في السودان؟ (1- 3)

0

تُعد الدولة هي المُحتكر الوحيد للقوة المسلحة وللاستخدام الشرعى للعنف؛ بغرض فرض القانون والنظام في الداخل وحماية الحدود والدفاع عن الأمن القومى في الخارج، إلا أن بعض النظم السياسية العربية قد شهدت في السنوات الأخيرة تنامي دور الفاعلين المسلحين من غير الدول، بحيث يكون هناك فاعل عسكرى مسلح يشبه الجيوش الوطنية، وبمثابة قوات مسلحة موازية تحظى بالشرعية، وذلك هو الحال بالنسبة للجناح العسكرى لحزب الله اللبنانى، وهيئة الحشد الشعبى في العراق، كتنظيمات مسلحة نشأت بمعزل عن الدولة ولكنها تعمل في كنف الدولة مع الاحتفاظ باستقلال نسبى، حيث جاءت نشأتها عبر طرق تختلف عن وسائل تأسيس الجيوش الوطنية الموحدة “الجيوش النظامية”، بصفة شبه رسمية بفضل شَرْعَنَة الأمر الواقع من قِبل السلطات الحاكمة، مما يؤدى عمليًّا إلى حدوث “ثنائية” للمنظومة الأمنية، من خلال قوى مُنفصلة عن الجيش الشرعى/النظامى للدولة، ولا تأتمر واقعيًّا بأوامر قيادته العسكرية المُمثلة في وزارة الدفاع ورئاسة الأركان، فيما يشبه حالة “نتوء عسكرى” وخلل بنيوى في القوات المسلحة –الجيوش- الوطنية.
فمن المعلوم أن الجيوش الوطنية الحديثة؛ هي القوات المسلحة المنظمة في فرق وأسلحة وكتائب أو غيرها من التشكيلات المُدربة على طاعة الأوامر بموجب تراتبية هيراركية واضحة في تسلسل الأوامر من الجندى وحتى قيادة الجيش، والتي تقوم بغرض الدفاع عن الدولة، وقد تتدخل أيضًا للحفاظ على الاستقرار الداخلى، وهي بهذا المعنى تختلف عن القوات المسلحة غير النظامية “الميليشيا” التي تقوم لخدمة عقيدة أو طبقة أو قضية أو حزب، وتتآلف عبر دعوات التعبئة الشعبية وليس من خلال عملية منظمة مؤسسية تهدف لتحقيق المصالح الاستراتيجية للدولة.
ويلاحظ أنه من الأهمية بمكان التفرقة بين الميليشيات المسلحة التي تقوم بأعمال احتجاجية وحركات تمرد مسلحة، كما هو الحال بالنسبة لبعض الحركات المسلحة في بعض الدول الأفريقية، وبين ظاهرة الفاعلين المسلحين من غير الدول التي تنامت على المسرح الإقليمى منذ اندلاع الحرب الأهلية في لبنان في سبعينيات القرن المنصرم، وتزايدت في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وصولًا للوقت الراهن في أعقاب أحداث 2011، حيث تمدد هؤلاء الفاعلون المسلحون من غير الدول في بيئات متعددة، وربحت هذه التنظيمات المسلحة ما خسرته الجيوش التقليدية في بعض الدول، فاستقطبت العديد من العسكريين، واستحوذت على أسلحة ضخمة وحديثة، وتنامت موارد الاقتصاد غير الرسمي، بالإضافة إلى نقل الخبرات النوعية في الهيكلة والتسليح عبر خبراء متخصصين عملوا على تحويل هذه التنظيمات/ الميليشيات إلى ما يُشبه “الجيوش الموازية”.
وفيما يتعلق بالوضع في السودان، فكان يتشكل -على نحو متزايد- خليط من أنماط معقّدة من تجنّب الصراعات، والتنسيق، والتعاون، بين القوات المسلحة النظامية الوطنية وبين قوات “الدعم السريع” داخل النظام السياسي السوداني وتحت مظلة الدولة القومية، فكلاهما على تماس بالدولة، بكل ما يحمله ذلك من تداعيات على الاستقرار السياسي في السودان الشقيق. وإن كانت قوات “الدعم السريع” تتمتع بهامش حركة/ واستقلال نسبى عن القوات المسلحة السودانية، وهى استقلالية كانت تعفيها من الخضوع للقوانين على نقيض القوات النظامية، بكل ما يرتبط بذلك من علامات استفهام حول مصادر تسليحها وتمويلها، لاسيما ما يتعلق بسيطرة “حميدتي” وأسرته على مناجم الذهب في “دارفور”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.