عمرو نبيل يكتب | انتخابات رئاسية لتدشين تيارات 2030

0

ماذا بعد الانتخابات الرئاسية القادمة؟ الإجابة أن مصر بنسبة كبيرة ولأسباب كثيرة ستكون في غضون أشهر قليلة في ظل آخر فترة رئاسية دستورية لحكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهنا سيعود للساحة السياسية الوطنية أخطر سؤال: من هو رئيس مصر القادم؟ رئيس مصر 2030؟
مشكلة مصر الأساسية في عهد مبارك والتي أدت لثورة 25 يناير المجيدة لم تكن فقط في عهده ولا حكمه بقدر ما كانت في رفض ما بعده “التوريث” واستمرار جماعات المصالح ذاتها خلف الوريث، كما أن مشكلة مصر الأساسية في عهد مرسي والتي أدت لثورة 30 يونيو لم تكن فقط في عهده ولا حكمه بقدر ما كانت في رفض ما بعده “الأخونة” واستمرار ذات الجماعة لـ 500 سنة خلف الورثة، أي أن مشكلة مصر الأساسية لم تكن مع أنظمتها الحاكمة التي يمكن تغييرها عبر الانتخابات، وإنما كانت في غياب “بدائل وطنية قوية آمنة” كي تخوض تلك الانتخابات، لأن هذا الغياب يؤدي إلى حالة من الغموض وعدم الثقة والقلق بشأن “مستقبل الوطن”، معضلة “الفقر السياسي” تلك ليست سياسية فحسب، بل الأخطر من ذلك أنها الآن معضلة تنموية اقتصادية اجتماعية مصيرية، نظراً لما تمر به مصر من تحديات تتطلب مواجهتها استراتيجيات إصلاحية طويلة المدى، وبالتالي فهي ليست معضلة “مرشحين رئاسيين” وإنما معضلة ما وراءهم من “تيارات سياسية وطنية” قادرة على تحمل مسئولية دولة بحجم مصر وشعبها ومكانتها، “تيارات سياسية وطنية” داعمة رغم اختلاف توجهاتها لـ “مشروع وطني تنموي مستدام”.
معضلة “الفقر السياسي” هذه تتطلب سرعة البدء في فتح مسارات لتدشين تيارات سياسية وطنية، فأجندة الرئيس السيسي التي بدأت بالحرب على الإرهاب وإعادة بناء الدولة وبنيتها الأساسية قد وصلت الآن إلى محطتها السياسية المحورية، حيث تم تفعيل لجنة العفو الرئاسي واستمرار العفو عن أعداد كبيرة، ودعوة كل القوى السياسية الوطنية لمائدة حوار وطني شهد مناقشات علنية لعشرات الملفات الهامة سياسية واقتصادية واجتماعية، مما يؤهل “الجمهورية الجديدة” للبدء في الإعلان عن نفسها سياسياً، فمصر الآن في أمس الحاجة لمأسسة الحياة السياسية، خاصة ونحن على اعتاب انتخابات رئاسية سيليها انتخابات برلمانية يعمل الحوار الوطني على تعديل قوانينها الانتخابية بما يعزز فرص القوى السياسية في التمثيل البرلماني، كما يعمل الحوار الوطني أيضاً على مشروع قانون المحليات مما يعجل بموعد انتخاباتها.
يشهد المناخ السياسي الآن انفتاحًا اعتقد أن استمراره، إذا أحسنت القوى السياسية استغلاله، يجعله من أعظم إنجازات عهد الرئيس السيسي، لأنه لم يسبق لرئيس مصري أن مهد الساحة السياسية لتيارات مستقبلية بدلاً من تجريفها، خاصةً أنه رئيس بلا انتماء حزبي ما يجعله على مسافة واحدة من القوى السياسية الوطنية، وبالتالي فالاستحقاقات الانتخابية الرئاسية والبرلمانية والمحلية المنتنظرة، تمثل فرصة تاريخية للتنمية السياسية، ولكن استغلال هذه الفرصة يتوقف على مدى القدرة على تدشين تيارات سياسية حقيقية، تعكس توجهات اقتصادية واجتماعية واضحة وانحيازات تشجع على المشاركة السياسية وتحظى بظهير وتأييد شعبي، خاصةً أن الضغط الاقتصادي الذي يعاني منه المواطن حالياً، لأسباب بعضها خارجية وبعضها داخلية ماضية وحالية، يدفع باتجاه تشكيل كتلة تصويتية معتبرة تتطلع لحلول وسياسات بديلة، ما يضع الكرة في ملعب تلك التيارات السياسية المنشودة كي تعمل على بلورة البدائل التي يتطلع إليها المواطن، فاستغلال هذه الفرصة يتطلب الربط بين الاستحقاقات الانتخابية المتتالية القادمة عبر وحدة طرح وتوجهات مرشح التيار الرئاسي ثم مرشحي التيار البرلمانيين والمحليين والنقابيين، فالساحة السياسية المصرية لا تفتقر للأفكار والتوجهات والسياسات ولا للنشطاء والقيادات الشعبية المحلية والنقابية، ولكنها تفتقد للرشادة السياسية والتدرج والمؤسسية والاستمرارية، وتطوير سياسات وبرامج إصلاحية وفقاً للمستجدات وتغير الأولويات، فضلاً عن التوقف عن استدعاء صراعات الماضي الايديولوجية والشخصية، فتحديات مصر المستقبلية مختلفة وغير مسبوقة تتطلب ابتكار سياسات وحلول وأدوات تناسب تحديات الواقع الجديد التنموية.
تلك هي مهمة التيارات السياسية المنشودة الوطنية، وهي مهمة وإن كانت صعبة وثقيلة إلا أن حسن القيام بها من جانب الدولة والقوى السياسية معاً سيضع العديد من الخيارات أمام سؤال: من هو رئيس مصر القادم؟ رئيس مصر 2030؟ خيارات يكمل كل منها مسيرة من سبقه التنموية لمواجهة التحديات المصرية واستعادة الريادة الإقليمية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.