احمد طلال عبد الحميد يكتب | الإدارة وقوانين الشفافية

0

لا تكتمل الديمقراطية بمعناها السياسي الاّ بوجود الديمقراطية الإدارية، أو ديمقراطية الادارة فما فائدة وجود ديمقراطية سياسية تسمح للمواطن بالتصويت في الانتخاب كل أربع أو خمس سنوات في ظل غياب ديمقراطية الادارة فالمشاركة والاطلاع على المعلومات لا تتوقف على العملية البرلمانية وانما يجب ان تمتد لانشطة الادارة أيضاً التي دائماً تحرص على سرية وثائقها، ويذهب الكاتب (J. lemasurier) في مقالة له بعنوان (نحو ديمقراطية إدارية) إلى القول أن فرنسا إذا كانت دولة ديمقراطية سياسياً فإنها ليست تماماً ديمقراطية إدارياً، إذ لا زال المواطن في فرنسا بسبب قدم المنظومة التشريعية للإدارة وعدم الاخذ بمفهوم الحَوْكَمَة وما تنطوي عليه من ضبط وشفافية وحرية الاطلاع على المعلومات والمشاركة في أداء الادارة وصنع القرارات يرزح تحت وطأة آليات إدارية ضخمة تتناقض مع مبادئ الديمقراطية الإدارية وابرزها مبدأ سرية الادارة الذي اوجدته التشريعات القديمة ، مع عدم وجود قانون ايجابي يتيح الاطلاع على المعلومة ، او على الاقل يقلل من صرامة مبدأ السريه الى حد مقبول للحفاظ على مصالح المؤسسات الحكومية ، وأصبح المواطن محكوم وتابع ومنعزل ومعاق قانوناً أمام رفض الادارة الاجابة والرد على طلبات المواطنين أو تظلماتهم ورفضها توضيح أسباب قراراتها ورفض اطلاع المواطنين على الوثائق الإدارية ورفضها أصدار اللوائح التنفيذية لتطبيق القوانين ورفضها تنفيذ أحكام القضاء ، فحتى يستطيع المواطن المشاركة في اختيار الحاكم ومحاسبته والمشاركة في نشاط الادارة ومساءلتها كجزء من اشتراك المواطن في إدارة الشؤون العامة سياسياً وإدارياً لابد أن تتوفر المعلومات الكافية لتحقيق ذلك ولابد أن تسمح التشريعات عموماً والتشريعات الإدارية على وجه التحديد من اباحة الوصول إلى المعلومات وآليات عمل الإدارة ليتسنى للمواطن مراقبة الاداء والمساهمة في الرقابة والمساءلة وهذا لا يتحقق إلاّ بوجود ثورة اصلاحية في قوانين الادارة ، لذا فأن الامر يقتضي اعادة النظر باليات ممارسة الادارات العامة لاعملها وفقاً لمبدأ السرية وتجاهل تسبيب القرارات التي تتخذها من خلال اصدار قانون ينظم حرية الاطلاع على المعلومات الادارية لتمكين المواطنين من الاطلاع على اليات عملها وتعزيز مبدأي الرقابة والشفافية ، اذ معظم الدول في الوقت الحاضر استصدرت مثل هذه القوانين رغم محدودية اجهزهتها الادارية ، فدولة الكويت على سبيل المثال دولة صغيرة لاتملك مؤسسات ومنظومات ادارية كما هو الحال في العراق ، ومع ذلك اصدرت القانون رقم (12) لسنة 2020 وهو قانون حق الاطلاع على المعلومات ولكافة الاشخاص الطبيعية والمعنوية وايضاً للمواطنين والاجانب شرط توفر لدية مصلحة في الحصول على المعلومات الادارية، في حين نجد ان القانون المغربي والجزائري قصر حق الاطلاع على المعلومات بالنسبة للمواطنين فقط ، اما قانون الوصول الى المعلومات والوثائق الادارية الفرنسي لسنة 1978 المعدل اعطى ايضاً هذا الحق للمواطنين والمقيمين على حد سواء، دون ربط التمكين او الاتاحة بصفة المواطنة وخصوصاً فيما يتعلق بالحق في الاطلاع على تسبيبات الادارة عند اتخاذ قراراتها ، كما يجب وضع معايير لتحديد توفر المصلحة في طلب الوثائق وعدم ترك تقديرها للسلطة التحكمية للادارة ، كما يجب تنظيم موضوع طلب المعلومات التي قد تستسخدم في الاساءة للاخرين ، او طلب وثائق كبيرة كارشيف احد الدوائر مثلاً ، ولذلك نجد ان المشرع الفرنسي قد عدل قانون 1978 بقانون صدر في ابريل من عام 2000 اعطى للادارة سلطة عدم الاجابة على طلب المعلومات اذا سبق الاطلاع عليها ، او كانت وثائق باعداد كبيرة ، او اذا اسيىء استخدام هذه المعلومات ، كما يجب تنظيم واجبات الادارة في الكشف على المعلومات ، وحالات سكوت الادارة عن البت في طلبات الاطلاع على المعلومات ، وقرارات رفضها اذ يجب ان تكون مسببة ويطلع عليها مقدم الطلب ، وتكون قابلة للتظلم والطعن امام المحاكم المختصة ، ومن المؤكد ان حرية الاطلاع على المعلومة غير مطلقة من كل قيد وانما ترد عليها استثناءات ، فالمشرع الفرنسي على سبيل المثال منع الحصول على المعلومات المتعلقه بالحياة الخاصة للافراد وملفاتهم الشخصية والطبية ، والاسرارالتجارية والصناعية ، وسرية الدفاع الوطني والسياسة الخارجية ، والنقود والائتمان والتحقيقات والاجراءات القضائية، وسرية المداولات الحكومية للسلطة التنفيذية ، وقد تضمنت معظم القوانين الخاصة بالاطلاع على المعلومات مثل هذه الاستثناءات ، كقانون الوصول الى المعلومات في كندا لسنة 1983 وقانون حرية المعلومات لعام لعام 2000 في انجلترا ، ان مقتضيات مبدأ شفافية ادارة الشؤون العامة تؤشر انحسار مبدأ السرية في اعمال الادارة لصالح حرية الاطلاع على المعلومات واصبح تشريع قانون حرية الوصول الى المعلومات ضرورة لابد منها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.