هشام جمال داوود يكتب | الصين وباكستان والممر الاقتصادي

0

في عام 2013 تم الاتفاق بين كل من الصين وباكستان على تنفيذ مشروع اطلق عليه اسم الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني والذي هو في الأساس جزء من مبادرة الصين او ما يعرف حالياً باسم مبادرة الحزام والطريق، وبعدها بتفرة قصيرة وتحديداً في العام 2016 تم الاتفاق بين البلدين على بناء مفاعل نووي في مدينة كراتشي بتمويل صيني يبلغ تقريباً 2.7 مليار دولار وذلك لتعزيز الطاقة في باكستان، لكن مشروع المفاعل هذا ما زال متلكئ وبطيء والسبب هو ان بطئ الصين في تنفيذ التزاماتها الخاصة في تمويله مما أدى الى ان تكون باكستان هي الأخرى بطيئة في التنفيذ.
هناك أسباب لتباطؤ الطرفان، فالصين على سبيل المثال تعاني مشاكل في اقتصادها الداخلي وتباطؤ في نموها الاقتصادي، وباكستان بعد ان تعرضت لكارثة الفيضانات العام الماضي لم تعد قادرة على استيعاب المزيد من القروض والديون الخارجية.
لكن باكستان تعتبر القروض او التمويل الصيني لهذا المشروع امراً ملزما فهو ضمان لمبادرة الحزام والطريق وان على بكين ان تقوم بتمويله، على عكس الصين التي بدأت تنظر الى الحكومة الباكستانية على انها غير مستقرة ولا يمكن لها ان تكون شريكاً للصين، وأوضح دليل على ذلك هو عدم اعتراض الصين على محاولات الهند لاستبعاد باكستان من اجتماع رفيع المستوى على هامش قمة (brics) وهذا التباطؤ الصيني يعد علامة سيئة على العلاقات بين الصين وباكستان.
في حقيقة الامر ان الصين قلقة جداً من وضع باكستان الأمني، اذ ان الأوضاع في باكستان دائماً ما تشهد تصاعداً في اعمال العنف وكذلك في الهجمات الإرهابية خاصة ضد المشاريع الصينية الاستثمارية وحتى ضد الصينيين المتواجدين في باكستان، ولن ينسى المسؤولون الصينيون الهجوم الإرهابي على فندق فخم في بلوشستان كان فيه وفداً صينياً رفيع المستوى عام 2021، لذلك كثيراً ما أعرب الرئيس الصيني للمسؤولين الباكستانيين عن قلقه الكبير بشأن سلامة مواطنيه في باكستان. ومع ذلك فإن كل ما تقدم اعلاه لا يعني بالضرورة بأن العلاقة بين الصين وباكستان قد تنتهي او تذهب طي النسيان، بل تستمر القروض الصينية في التدفق إلى باكستان سواء لمشاريع البنية التحتية او لغيرها. فباكستان تلقت ما يقرب من 22 مليار دولار على شكل قروض قصيرة الأجل من الصين بين عامي 2018 وعام 2022 وكان معظمها لتخفيف ميزان المدفوعات وهذا يدل على أن بكين مستعدة لمحاولة تخفيف الضغوط الاقتصادية على إسلام أباد.
أن الصراعات الاقتصادية التي تواجهها الصين تعني أن الدعم المستمر على هذا المستوى ليس مضموناً خاصة مع استمرار تفاقم الأزمة في باكستان والتضخم المستمر الذي وصل شهر شباط الماضي إلى أعلى مستوى له منذ عام 1975. وأعلنت إسلام أباد أن الجولة الأخيرة من المحادثات مع صندوق النقد الدولي فشلت في التوصل إلى اتفاق للإفراج عن أموال جديدة.
قد تفضل الصين التعامل مع حكومة أكثر استقراراً في إسلام أباد ولكن حري بالذكر ان بكين لها علاقات ممتازة مع عائلة شريف، ولما شغل نواز شريف منصب رئيس الوزراء تم إطلاق الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني رسميا، وبعد ذلك اوقفته كون ان الحكومة السابقة بقيادة عمران خان لم تكن محبوبة بالنسبة للصين، حيث دعت إلى مراجعة اتفاقيات الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني السابقة باسم جهود مكافحة الفساد، لكنها رجعت اليه عندما شغل شقيقه شهباز شريف منصب رئيس الوزارء بدلاً من عمران خان.
وفي كل الأحوال فإن المؤسسة العسكرية الباكستانية القوية هي الفيصل وهي من تقرر الكلمة الأخيرة في القرارات السياسية المتعلقة بالشركاء الرئيسيين مثل الصين.
إن الجغرافيا السياسية الحالية تجعل استمرار التحالف بين الصين وباكستان أمراً لا مفر منه، وان العلاقات الأمنية المتنامية بين الولايات المتحدة والهند تجعل بكين وإسلام أباد في قلق بشأن منافسهما المشترك (الهند).
ان المنافسة المتزايدة بين كل من الولايات المتحدة من جهة والصين من جهة أخرى تضع قيودا على التعاون بين باكستان والولايات المتحدة، مما يزيد من اعتماد إسلام أباد على بكين للحصول على المساعدة الاقتصادية والعسكرية، كما وتعزز هذه القيود باكستان من أجل شراكة أكبر مع روسيا لاسيما في ظل التحالف العميق بين روسيا والصين.
اخيراً فإن العلاقة الصينية الباكستانية لا تنحرف بسهولة ولديها حواجز لمنعها من الانحراف بعيدا عن المسار الصحيح مع تحول الجغرافيا السياسية، ولهذا السبب يعمل الغرب على ادخال الهند لمجموعة السبع لسد الانقسامات بين الشمال والجنوب ومساعدة الهند على مواجهة التحدي الصيني.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.