ياسين الحاج صالح يكتب | حقوق الإنسان والبنية السياسية للعالم

0

والواقع أن بنية العالم القائمة، المكونة من دول قومية، لا تسمح بأن يكون للإنسان بما هو كذلك حقوق.
بعد الثورة الفرنسية بقليل تفجرت ثورة هايتي ضد العبودية ومن أجل تحرر الأكثرية السوداء واستقلال البلد، وتعرضت لحرب من فرنسا ما بعد الثورية، واعتقل قائد الثورة توسان لوفرتور وسجن في فرنسا حيث سيموت في سجنه. يمكن لفكرة حقوق الإنسان أن تكون مطابقة فقط إذا كان العالم وحدة سياسية، وهو ليس بعيدًا عن ذلك اليوم فحسب، وإنما يبدو أننا نتجه نحو مزيد من التجزؤ والاستقطاب والنزاعات غير التحررية.
ومن أجل تقديم مثال قريب وواضح على التعارض بين مبدأ حقوق الإنسان والبنية العالمية القائمة، المكونة من دول قومية أو تحالفات دول قومية، تكفي العودة بضع سنوات إلى الوراء، إلى زمن “أزمة اللاجئين” عام 2015. لم تكن “الأزمة” وقتها وجود لاجئين مهجرين من بلدانهم، ولا الأوضاع السياسية والأمنية والمعيشية في بلدانهم، بل معاناة أوروبا من طرْقهم أبوابها ودخول مئات الألوف منهم تلك الأبواب، معظمهم سوريون. الطريق الذي سلكه معظم اللاجئين في ذلك الوقت هو من السواحل الغربية لتركيا على البحر المتوسط إلى اليونان، ثم منها براً عبر البلقان إلى ألمانيا وبلدان أوربية أخرى. سجلت ألمانيا في ذلك موقفاً تاريخياً بفتح الحدود بقرار من المستشارة أنجيلا ميركل، لكن تبع ذلك فوراً تقريباً مسعى آخر، تمخض عن اتفاق تركي أوربي في شباط 2016، قضى- بين أشياء أخرى- بأن تضبط تركيا حدودها وتحول دون انطلاق اللاجئين منها إلى اليونان، وأن يقدم الاتحاد الأوربي معونات لتركيا، ثلاثة مليارات يورو حينها، من أجل إبقاء اللاجئين فيها. حتى ذلك الوقت كانت الحدود بين سورية وتركيا مفتوحة، وكان يمكن لحملة جواز السفر السوري أن يدخلوا تركيا دون تأشيرة دخول (فيزا). بعد الاتفاق صارت الفيزا إلزامية، فلم تعد تركيا المركز العالمي للجوء السوري مثلما كانت بين 2012 ومطلع 2016 بخاصة. والأسوأ أنه جرى تقييد حركة السوريين داخل تركيا نفسها، فلم يعد يمكن لأي منهم الذهاب إلى مدينة تركية أخرى دون موافقة مسبقة، تستهلك منهم وقتاً دون أن تكون مضمونة في النهاية. وهكذا جرى انتهاك حق أولي من حقوق الإنسان، الحق في الحركة، بعلم ومباركة ضمنية من دول الاتحاد الأوربي. ولسنا محتاجين للقول إنه لم يجر قط إدانة هذا الانتهاك الفادح من دول تتكلم عادة على انتهاكات حقوق الإنسان حين لا تكون هي صاحبة المصلحة فيها.
فتح هذا باباً لتدهور أوضاع السوريين (وعموم المهاجرين) في تركيا بلغ في العامين الأخيرين مستوى التمييز العنصري. وضع الهومو ساكر، الإنسان المستباح، الذي تقدمت الإشارة إليه بات محققاً بالفعل من حيث أنه يمكن الاعتداء على سوريين، وصولاً إلى القتل، دون أن يعتبر ذلك جريمة.
والواقع أن هذا الوضع مكتوب في عدم الاعتراف بالسوريين كلاجئين، وهو بدوره بفعل اتفاقية تركية أوربية تعود إلى عام 1951، لا تقر بصفة اللاجئين لغير الأوربيين. عومل السوريون كضيوف، وهو ما يضعهم خارج القانون عملياً، أو بالأحرى خارج الحقوق المفترضة لمن يحظون بالحماية المؤقتة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.