محمد عصام يكتب | الدولار واللاجئين

0

في عام ١٩١٧م وعد البريطاني “بلفور” اليهود المُضطهدين في أوروبا بإقامة وطن لهم في فلسطين يتمتعون فيه بالأمان والرخاء مع التأكيد على عدم المساس بحقوق الفلسطينيين “السُكان الأصليين” للبلد، وبالفعل تسرّب اليهود خلال السنوات التالية إلى فلسطين وتعمق تأثيرهم لدرجة التحكُم في الاقتصاد عبر شراء الأراضي الزراعية والمحلات التُجارية، ذلك بالإضافة إلى علاقاتهم السياسية المتينة مع البريطانيين المُستعمرين لفلسطين في ذلك الوقت. توقع البعض أن الوضع سيستقر على ذلك ولكن كان لليهود خطة أُخرى، فعبر السنين وباكتساب الخبرات السياسية والعسكرية شنوا حربًا شرسة على الفلسطينيين و”استولوا” على أراضيهم، وأعلنوا إنشاء دولة إسرائيل على قبور الفلسطينيين.
وفقًا للتقارير الرسمية فإن مصر تستضيف تسعة ملايين لاجئ من إخواننا العرب، وعلى الرغم من افتخار إعلامنا المصري بذلك، فإن ذلك الخبر قد يحمل بذور تحديات لمصرنا الحبيبة، فـتسعة مليون لاجئ يُترجمون إلى استهلاك حوالي ١٠ مليارات لتر ماء سنويًا على الأقل في دولة تُواجه شبح الشُح المائي (يستهلك الفرد ٣ لتر ماء على الأقل يوميًا)، ويُترجمون أيضًا إلى استهلاك حوالي ١٠ مليارات وجبة طعام سنويًا في بلد تستورد ٤٠٪ من غذائها (يستهلك الفرد ٣ وجبات طعام على الأقل يوميا)، كما يعنون الاستحواذ على ١٫٥ مليون منزل في بلد تُعاني من أزمة السكن (لو افترضنا أن الأسرة الواحدة تتكون من ٦ أفراد)، وشغل ٣ مليون وظيفة في بلد يُعاني شبابها من البطالة (لو افترضنا تقديريًا أن عدد ربات البيوت وكبار السن والأطفال ٦ مليون فرد)، هذا بالإضافة إلى الضغط على مدارسنا كثيفة الطُلاب، ومُستشفياتنا التي ينقصها الأطباء الأكفاء والأدوية، ومواصلاتنا المُكدسّة بأجساد المصريين الفُقراء، وارتفاع أسعار البضائع والخدمات بسبب تزايُد الطلب عليها (مما يُساهم بطريقة غير مُباشرة في ارتفاع سعر الدولار)، وغيرها من الأمور الاقتصادية التي تمس حياة المصريين اليومية الذين يعانون الأمرين خاصة آخر ٤ سنوات بسبب أزمة وباء كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.
كُل تلك الضغوطات الاقتصادية على المصريين ستؤدي إلى احتمالات لها علاقة بالموارد الاقتصادية مثل: أن يدخُل المصريون في صدام مع إخوانهم العرب بسبب التزاحُم على الموارد الاقتصادية. ولذلك يجب على حكومتنا اتخاذ موقف لأن الأمثلة من تاريخنا البشري تؤكد أن البشر في أحيانٍ كثيرة يكونوا أنانيين وعنيفين ويفعلون أي شيء من أجل بقائهم مثلما حدث في الحربين العالميتين الأولى والثانية.
هذا لا يعني التعامُل بقسوة مع إخواننا العرب اللاجئين، ولكن يعني وقفة حاسمة تحمي حقوق ومصالح المصريين، وفي نفس الوقت توفر حياة كريمة للاجئين العرب، فكيف يكون ذلك؟
أولًا: من الممكن اقتصار استضافة اللاجئين خاصةً والأجانب عامةً على الكفاءات العلمية والفنية والرياضية المُميزة التي تضيف إلى اقتصادنا وتُساهم في تحسين جودة حياة المصريين.
ثانيًا: أن يكون الهدف الأساسي لتعامُل حكومتنا مع اللاجئين هو ابقائهم في دولهم وليس استضافتهم في مصر، لأن من يدخُل مصر لن يعود لدولته بعد تخريبها، ومن الممكن تحقيق ذلك عبر أن توفر لهُم مصر الاحتياجات الاساسية (مثل الطعام والعلاج الطبي) بالتعاون مع المُنظمات الدولية المعنية بشئون اللاجئين، أي لا نتحمل تلك التكاليف الضخمة بمُفردنا.
ثالثًا: أن تستفيد حكومتنا من دور مصر الريادي في المنطقة لحث الدول الغنية على استثمار ثرواتها في مشروعات ضخمة في البلاد العربية التي تُعاني المُشكلات السياسية والاقتصادية المُسببة لهجرة اللاجئين لمصر وبعض الدول الأُخرى، تلك المشروعات ستُحدث النمو الاقتصادي وتوفر فُرص العمل وبالتالي الاستقرار السياسي والاقتصادي اللازمين لحل مُشكلة اللاجئين من جذورها، كما أنها ستحمل الأرباح المالية لدول الخليج، أي أنه أمر مُربح للطرفين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.