عمرو نبيل يكتب | الوسط السياسي بين استحقاقين

0

أنتجت ثورتي 25 يناير و30 يونيو مشهدًا سياسيًا خاليًا من الحزب الوطني المنحل الذي احتكر السلطة لسنوات وجماعة الإخوان المحظورة التي احتكرت المعارضة لسنوات، وهو الاحتكار الذي أدى إلى اختفاء مساحة الوسط من المشهد السياسي المصري، وإن كانت التوجهات الوسطية قد ظهرت داخل الحزب الوطني، إلا أن تواجدها في إطار السلطة أفقدها تأثير سياسي كان سيكون له شأن آخر لو أن هندسة الساحة السياسة آنذاك كانت قد منحت التوجهات الوسطية مساحة مستقلة. 

بعد ذلك، ومع اقتراب الاستحقاق الانتخابي البرلماني لعام 2015 كان المشهد السياسي المصري الجديد آخذ في التبلور، ورغم كثرة عدد الأحزاب السياسية ألا أن المشهد الانتخابي أفرز ثلاثة كتل أو تحالفات انتخابية أولية وهي: قائمة “في حب مصر” وتمثل الموالاة، وقائمة “صحوة مصر” وتمثل المعارضة، وقائمة “الوفد المصري” التي سعت لبلورة مساحة الوسط السياسي المفتقدة، غير أن تفاعلات سياسية وإجراءات انتخابية أدت إلى عدم ترشح قائمتي “الوفد المصري” و”صحوة مصر”، وأفرز برلمان 2015 موالاة ومعارضة فيما استمر غياب الوسط السياسي.

إذا كانت التوجهات الوسطية قبل 2011 قد انتقلت إلى مساحة الموالاة لانخفاض سقف الحريات، فإن التوجهات الوسطية بعد 2015 قد انتقلت إلى مساحة المعارضة، ولذلك فعند بلورة المعارضة لمواقفها السياسية المختلفة كانت تحدث تباينات لتواجد أصوات وسطية داخل مساحة معارضة لا تتسق معها، كما أن ذات التباينات كانت تظهر داخل أروقة الحزب الوطني المنحل عند بلورة العديد من السياسات لتواجد أصوات وسطية داخل مساحة موالاة لا تتسق معها.

ارتفعت حدة المعارضة ببرلمان 2015 ألا أن محدودية عددها وعدم تقديمها لبدائل واقعية أضعف تأثيرها السياسي بالرغم من تحقيق مواقفها لزخم شعبي، فيما أدى انخفاض حدة المعارضة ببرلمان 2020 إلى افقاده للزخم السياسي على الرغم من تواكب أزمات اقتصادية واجتماعية ذات تأثيرات شعبية قوية، وهو الأمر الذي تم معالجته جزئيًا بتدشين “الحوار السياسي الوطني” الذي أفرز مساحة وسطية بعدما وضعت جلساته ومحاوره القوى السياسية أمام التحديات الاقتصادية والمجتمعية.

ثم شهد الوسط السياسي دفعة قوية خلال الانتخابات الرئاسية، وبدأت تبرز الآثار الإيجابية لمساحة الوسط على الممارسة السياسية ودورها في ترشيد المعارضة والضغط على الحكومة بتقديم بدائل توافقية، وبالتالي تقليل حدة الاستقطاب بين موالاة ترفض أي تغيير للسياسات ومعارضة لا تملك سوى شعارات، وخلق أرضية مشتركة تدعم عملية ابتكار سياسات واقعية، ومع اقتراب الاستحقاق الانتخابي لبرلمان 2025 فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هل ستشهد الساحة السياسية تجدد مساعي تدشين تيار سياسي وسطي؟

الحقيقة أنه هذه المساعي مطلوبة وضرورية للاستثمار في الحراك السياسي الذي أحدثه الحوار الوطني والمساحة السياسية التي اتاحتها الانتخابات الرئاسية وما تضمنه ذلك من تدشين مساحة سياسية وسطية، فالتحديات التي تنتظر برلمان 2025 تتطلب من الأحزاب الوسطية ترجمة الزخم الشعبي الناتج عن الأزمات الاقتصادية والمجتمعية لحراك انتخابي يطرح سياسات قادرة على مواجهة التحديات، فالحوار الوطني والانتخابات الرئاسية أحداث استثنائية مؤقتة أما الاستدامة السياسية فللمؤسسة البرلمانية، التي تفتقد للمساحة السياسية الوسطية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.