كرم نعمة يكتب | الذكاء الاصطناعي وطعم القهوة

0

لا يصيب احتساء حوالي ملياري كوب يوميًا من القهوة في العالم، هذا المشروب الساخن بالغطرسة التي أصابت النبيذ مثلا “قرأت مرة أن ملكة بريطانيا الراحلة إليزابيث الثانية لا تحتسي نبيذا يقل سعر الزجاجة الواحدة فيه عن ألف جنيه إسترليني”!

كما أن القهوة تكتفي بنكهتها الفريدة وتكون بمنأى عن منافسة الإطراء الذي يحفل به الشاي ويصل أحيانا إلى نوع من القداسة عند البوذيين. وكما نتفق جميعا، فإن القهوة فن، نتحدث عنها في رحلتها من حبات بنّ إلى أن تصبح فنجان قهوة في اليد على طريق التذوق والرشف.

لكن القهوة اليوم تعاني في إنتاجها بينما الاستهلاك يتصاعد باطراد، لدرجة يمكن أن يكون اقتصاد القهوة مقياسا لاقتصاد البلدان. خبراء الاقتصاد في الإدارة الأميركية يقيسون حركة اقتصاد بلادهم بأكواب مقاهي “ستاربكس” عندما تقتضي الحاجة النزول إلى الشارع لمعرفة تقاليد المستهلك.

قبل سنوات قال خوسيه ماركوس ماغالهايس، رئيس ثاني أكبر شركة تعاونية للبن في البرازيل “نحن نواجه طلبا مرتفعا للغاية بشكل رئيس من أوروبا، زاد الاستهلاك كثيرا في محال السوبر ماركت، وهم يريدون سد النقص في المخزونات”.

لذلك تبدو القهوة بحاجة اليوم للاستعانة بنوع من الأمان الاقتصادي لمجاراة شغف الاستهلاك البشري المطرد، بينما حقول القهوة تصاب بالوهن البيئي. وربما بحلول عام 2050، ستكون معظم الأراضي المستخدمة حاليا لزراعة القهوة قد دمرتها أزمة المناخ لدرجة أنها لن تكون مناسبة للحفاظ على السحر الكامن في هذا المشروب. بالإضافة إلى أن مزارعي القهوة أنفسهم غالبا ما يعيشون في فقر مدقع والناس يحتسون جهدهم المضني من دون أن يبالوا بفقرهم.

ذلك لا يعني أن زراعة القهوة تتنازل عن تاريخها وتلجأ إلى الذكاء الاصطناعي الذي يعمل بجد وسرعة فائقة للقضاء على أعمال البشر على المدى الطويل.

الأخبار الجديدة تمنح الإنسان نوعا من الاطمئنان على قهوته اليومية، فالقهوة الاصطناعية يصنعها البشر وليس الذكاء الاصطناعي.

العديد من الشركات الرائدة تقوم اليوم في صنع مشروبات على شكل قهوة مصنوعة من مكونات أرخص وأكثر استدامة.

لم أحتس بعد مشروب “أتوم كوفي” الصناعي كي أقارن نكهته بقهوتي المعتادة، لكن هذه الشركة تقول إن قهوتها خليط من بذور التمر والليمون وبروتين البازلاء والحلبة والجوافة والدخن وبذور عباد الشمس وصودا الخبز والكافيين المأخوذ من الشاي الأخضر.

بينما التقارير الإعلامية تتحدث عن نكهة صناعية يستحيل تمييزها عن مشروب القهوة التقليدية، على الرغم من أنها أقل مرارة. وقد يبدو هذا ألذ في الواقع.

أحد المحللين في صحيفة الغارديان البريطانية، عبر عن أمله بشكل مفرط عندما عزا إنتاج القهوة الصناعية إلى بداية مبشرة لمقاومة البشرية العظيمة للحفاظ على جودة كيانها.

إذن، لن ينتهي العالم إذا بدأنا بدعم بيع القهوة الاصطناعية؟ يجيب هذا المحلل “العالم سينتهي بالتأكيد إذا انتظرنا لفترة كافية. ولكن مهلا، على الأقل بهذه الطريقة سنرى اللحظات الأخيرة مع القهوة في أيدينا”.

كمْ من اللحظات مرت علينا من دون أن يشعر الإنسان بانقراض أشياء تعامل معها على مدار عقود وأحبها.

بطبيعة الحال، سيكون من السذاجة الاعتقاد بأن “القهوة الاصطناعية ستنقذ العالم” مع ذلك، سيمنح بقاؤها حفاظ الملايين على طقوسهم اليومية، فالقهوة بالنسبة إليهم نوع من الحل للتخفيف من عبء مجهود يومهم وتعبر عن الاسترخاء النفسي وتحرض على المزيد من الحب، وقد تصل عند البعض إلى نوع من الرفاهية عندما يفاضلون بين أفضل أنواع القهوة.

بقي الزمن على مدار قرون زمن قهوة لأنها تجمع على طاولتها أكثر مما تفرق ويشترك في تقاليدها الشرق والغرب على حد سواء. وهكذا سيبقى الزمن زمن قهوة رغما عن أنف كل المشروبات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.