إبراهيم طنطاوي يكتب | الشرق الأوسط بين الفراغ والصراع

0

آلت معظم الآراء في الوقت الراهن إلى اتساع بؤرة الصراع على المستوى الإقليمي في الشرق الأوسط وأفريقيا وأنه يصعب التنبؤ بمستقبل الصراع، وإذا وقفنا أمام المحددات والمسببات، سنجد بشكل أو بآخر أن السبب الرئيسي هو الفراغ الأمني الذي خلفته الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة التحول في الأولويات، وبذلك تغيرت معها ديناميكيات ودوافع وطموحات القوة العالمية والإقليمية؛ فبعد فترة طويلة من الانشغال بالشرق الأوسط، أشارت الولايات المتحدة إلى تراجع اهتمامها بالمنطقة ومن ثم صارت الفواعل الدولية والإقليمية تمارس نشاطها السياسي بعيدا عن الضغط والتوجيهات الأمريكية.

دلالات التهميش الأمريكي للمنطقة

تتمثل أهم دلالة في تحول السياسة الخارجية الأمريكية عن الشرق الأوسط في احتواء الصعود الصيني في منطقة (الإندو-باسيفيك)، وهذا ما بدأ منذ عام 2010 ما عرف باسم (محور الارتكاز الأسيوي-Pivotto Asia)، وفي نفس السياق أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية  في استراتيجية الامن القومي عام 2020 عن تقليص وجودها العسكري في المنطقة والاهتمام بمنطقة (الاندو-باسيفيك)، وعلى المستوى الدبلوماسي فإن أول زيارة للرئيس الأمريكي {جوزيف بايدن} للشرق الأوسط كانت بعد 18 شهر من توليه الرئاسة ولم تكن الزيارة إلا لتأمين أمن الطاقة الأوروبي خصوصا بعد الحرب الروسية الأوكرانية.

ومن منظور اقتصادي فإن اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية على النفط الشرق الأوسطي في طريقه إلى الانخفاض وذلك بسبب ارتفاع انتاج النفط الأمريكي في الأعوام  الستة الماضية؛ حيث وصل لإنتاج 13.000 برميل يوميا هذا العام في حين أن كان 8000 برميل يوميا في عام 2018، بالإضافة إلى تنويع اعتمادها على مصادر الطاقة المتجددة، وتعتبر كندا الان هي أهم مصدر لواردات النفط الأمريكي.

وعلى المستوى الأمني فإن القضاء على تنظيم داعش أعطى فرصة للتخمين بأن الوجود الأمريكي لم يعد له حاجة في الشرق الأوسط، ومن ناحية أخرى مثل الانسحاب الأمريكي من أفغانستان 2021 نقطة فاصلة وهامة في هذا التحول، وأشار بعض المحللين إلى أن أخطر فك ارتباط مع الشرق الأوسط هو الانسحاب من الاتفاق الإيراني النووي عام 2018، ومن ثم كان الاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيل في عهد ترامب بمثابة رفع يد أمريكا عن القضية وفرض الأمر الواقع.

الشرق الأوسط ما بعد أمريكا

أسفر الفراغ الأمني الذي خلفته الولايات المتحدة الأمريكية عن عدة ظواهر في الشرق الأوسط:

-تنامي النفوذ الصيني والروسي في منطقة الشرق الأوسط من خلال سياسة القوى الناعمة وطريق الحرير بالنسبة للصين واستغلال الانسحاب الأمريكي للتغلغل في بعض الأزمات العسكرية والسياسية بالنسبة لروسيا ويتضح ذلك في أفريقيا.

-تطبيع العلاقات مع كل من إيران وسوريا واسرائيل، بل تلعب الصين دور الوساطة في تطبيع العلاقات، واعتماد بعض الدول عليها في مواجهة إيران لتخوفها من السلوك الإيراني مثل السعودية والامارات العربية المتحدة.

-سعي القوى الإقليمية الصاعدة لتوسيع نفوذها مثل الإمارات، السعودية، إيران، إسرائيل، تركيا.

-استعادة حكومة طالبان السيطرة على البلاد بعد 20 عام من التمرد.

-استطاعت تنظيمات إرهابية من تنفيذ عمليات خاطفة في بعض من الدول العربية.

-أضافت الجهات الفاعلة غير الحكومية (حركة حماس-حزب الله- الحوثيون-القوات الكردية) مزيدا من التعقيد السياسي والانفلات الأمني في المنطقة.

خاتمة

نهاية الحديث إن الفراغ الأمريكي ظهر جليا في الفترة الأخيرة مع اتساع بؤرة الصراع وزيادة حدته، حتى وصلت المنطقة الان إلى حالة من التوتر السياسي والأمني لا تأمن فيه الدول على صبحها من مساها، ويوجب الأمر على دولتنا مصر أن تتكيف مع الأوضاع بكل حرص ومرونة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.