د. محمد إبراهيم بسيوني يكتب | السكان والتنمية والتعليم (2-2)

0

إن الدولة أو البلد وبغض النظر عن شكل الحكم السياسي تتحمل أعباء إضافية فكلما ازداد عدد الرعايا والسكان ستكون نوعية الخدمات والنفقات على تلك الأعداد الغفيرة وبشتى المجالات إن وجدت رديئة وسيئة وعبثية واستنسابية ولكن في المقابل كلما انخفض عدد السكان كلما زادت الثروة وقدمت الخدمة على إختلاف أشكالها ومسمياتها بشكل أفضل وطالت عدداً أكبر من الرعايا المواطنين حتى تصل الخدمة إلى مستوى الرفاه في عرف القانون الدولي.

ومن هنا نرى أن الالتزام الأدبي والأخلاقي والوطني يساهم وبشكل غير مباشر في رفع سوية البلاد ودعم اقتصادها من كافة النواحي والأصعدة وسيزداد تحصيل الفرد ومعدل الإنفاق ونوعية الخدمات ومستواها بشكل لائق ومحترم.

سأعطي مثالاً بسيطاً على ما أقول. في دولة كمصر أرض الكنانة وتحديداً في عشرينيات القرن الماضي كان عدد السكان بحسب إحصائيات رسمية حوالي سبع ملايين نسمة وبالمقابل وفي بلد كالنمسا أو سويسرا كان عدد السكان في نفس الفترة الزمنية من ذلك القرن أيضا حوالي سبع ملايين نسمة على أبعد حد. بنظرة سريعة اليوم إلى ما آلت إليه الأمور مصر العربية يقارب عدد سكانها المائة وعشرة مليون نسمة بينما لا تتفاجؤوا إذا قلنا إن تلك الدول الغربية كسويسرا والنمسا مازالت محافظة على نفس العدد تقريباً في يومنا هذا. هذا التضاعف الآسي والانشطاري لهو مؤشر خطير ومفزع خاصة اذا ما قارنا تلك البلدان على الصعيد الاقتصادي والمالي، فأين القوة وسباق التسلح من هذا الأمر؟؟. هذا إن دلَّ على شيء فهو يؤكد بأن العدد والذي كان له شأن فيما مضى لضرورات العمل العضلي والحروب و الاقتتال لم يعد له مسوغ أو مبرر وبأي شكل من الأشكال أو المسميات. لا يمكن ونحن في القرن الواحد والعشرين وفي عصر الفضاء وعلوم الذرة أن نبقى متساهلين ومتغاضين ومغمضي البصر والبصيرة عن هذه المعضلة والمشكلة الخطيرة على المدى البعيد. فمن غير المعقول أن تتضاعف أعداد منطقة أو مجتمع ما أربعة أو خمسة أضعاف خلال عقود قليلة نتيجة جهل البعض أو سلبية البعض الأخر كما حدث في مناطقنا وبلداننا. ولم تعد مقبولة تلك الحجج الضعيفة والواهية التي لا تصمد أمام العقل والمنطق والأخلاق كسياسة لفرض الأمر الواقع لتقبله سواء على المستوى الضيق الأسري أو على المستوى العام المجتمعي. العلوم الطبية موجودة والوسائل المضمونة متوفرة وكذلك الأزمات المالية والترهل الاقتصادي والاجتماعي في بلادنا موجود بكثرة ووفرة وللأسف لذلك لم يعد من المقبول أخلاقياً وإنسانياً وسلوكياً أن نرى في هذه الأزمنة. تلك الثقافة الأرنبية مازالت منتشرة بين ظهرانينا وبأي شكل وتحت أي ظرف أو مسمى كان.

إن المجتمعات التي تود النهوض والتقدم في رُكب الحضارة الإنسانية والخروج من الواقع المزري المتردي عليها الوقوف بحزم والتصدي لهذه الثقافة المشوهة عبر سَن تشريعات صارمة وقوانين ومؤيدات حازمة تمنع تشفي واستمرار تلك الممارسات حتى تنعكس على مختلف النواحي الحياتية والمعايشة.

ولنا في الصين كدولة مثال يحتذا به فبعد أن كان التضخم السكاني عندهم من أعلى المعدلات في النمو السكاني والذي أثّر سلباً على الدولة وتطورها انعكس إيجاباً بعد تطبيق سياسة تحديد النسل وأصبحت معدلات النمو السكاني عندهم من الأقل عالمياً على عكس بلداننا التي تعيش على الغيبيات والمغيبات في ظل وجود واقع معاشي مزري كما أشرنا مما جعلها من أعلى معدلات النمو السكاني فتصدرنا بذلك سباق التسلح.

لا أريد أن يفهم من كلامي هذا إنني ضد استمرار النسل البشري أو الإنجاب بشكل عام بل على العكس تماماً وإنما أنا ضد سياسات التفريخ والتدجين وكأننا في مداجن ومستوعبات لا هم لها سوى تفريغ مستوعباتها وبذورها في تلك الجرار والخوابي ومن باب إلقاء الأمور على عواهنها. المسألة تحتاج إلى التزام أخلاقي أدبي وانساني واجتماعي بكل المقاييس والأبعاد ونظام تشريعي عصري ومتوازن لضبط ذلك الانفلات والتكاثر العشوائي مع ضوابط وكوابح جزائية قانونية حتى تعود الأمور إلى نصابها وشكلها الطبيعي. فالخيرة والفاعلية والإنتاجية في النوعية والكيفية لا في العدد والعديد فتكفينا الكثير من الأزمات والانكسارات ولا نريد ان يكون التضخم السكاني من إحداها. دعوا الأرانب وثقافاتها الغرائزية وسلوكياتها الطفيلية وتسلحوا بالمعرفة والعلم والأخلاق لإحداث الفارق بين واقع مزري ومستقبل لابد أن يكون أكثر إشراقاً بكل محبة ووعي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.