د. رامي جلال يكتب | الحبس احتياطي موضوع أساسي

0

منذ عدة عدة أعوام كنت رئيسًا لبعثة مصرية من القيادات الوسطى بالجهاز الإدارى، والموفدة للتدريب بالعاصمة البريطانية لندن، استعدادًا للانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة. وفى مثل هذا اليوم تحديدًا، نُشر خبر مسائى فى عدد من الجرائد الإلكترونية المصرية، وكان العنوان: «الاعتداء على المتحدث الرسمى لوزارة التخطيط فى لندن وإصابته بجروح».. كنت أنا ضحية الواقعة، بطل هذا الخبر. والقصة باختصار أن أحد المواطنين الإنجليز قد عنَّ له بلا أى مبررات أو مقدمات أن يلكمنى بسرعة، وبإلحاح، دون سابق إنذار، بينما كنت أمشى الهوينى فى شارع «إدجوار» الشهير.. خلال وقت بسيط، تم القبض على الجانى، فى الشارع نفسه، وذهبنا معًا إلى قسم الشرطة لأخذ الأقوال.

بعدها أشار علىَّ بعض الخبثاء بأن أدّعِى أن المعتدى هو شخص من تنظيم الإخوان الإرهابى، وأننى أدفع ضريبة العمل الوطنى، اعتذرت بأدب وأفهمته أننى غير مهتم بدفع أى ضرائب إلا ضريبة السكن، التى طالبنى بها صاحب المنزل الذى كنت أستأجره.

بعد فترة، وصلنى إيميل من المحكمة يفيد بأن الجانى قد حصل على عقوبة ثلاثة أشهر حبسًا فى المنزل، مع وضع سوار إلكترونى فى قدمه، فضلًا عن عامين من الحضور الإلزامى لجلسات تأهيل نفسى، وغرامة مالية حوالى 500 جنيه إسترلينى، لم أهتم بالحصول عليها حتى الآن.

العبرة من القصة كلها هى موضوع «السوار الإلكترونى»، فهو دليل على أن هناك ثمة وسائل عقابية سالبة للحرية غير الإيداع بالسجون. وهذا الأمر يلقى الضوء على موضوع الحبس الاحتياطى فى مصر، والذى تُنتقد الدولة المصرية بسببه، داخليًا وخارجيًا.

مفترض أن الحبس الاحتياطى هو إجراء قانونى يضمن التحفظ على المتهم فى مكان آمن لحين الفصل فى الاتهامات المنسوبة إليه، وضمانًا لعدم العبث بأدلة القضية أو التأثير على شهود الواقعة أو الإضرار بالمجتمع. ومفترض كذلك أن المتهم برىء حتى تثبت إدانته، لكن جوهر الحبس الاحتياطى بشكله التقليدى (الإيداع فى السجن) هو عقوبة وسلب للحرية، بدليل أنه يُخصم لاحقًا من عقوبة السجن النهائية التى يحصل عليها المتهم إذا أُدين. والمبدأ الراسخ هو أنه لا يضير العدالة إفلات مجرم من العقاب بقدر ما يضيرها الافتئات على حريات الناس. وبناء عليه، فإن المغالاة فى استخدام عصا الحبس الاحتياطى تحولها إلى عقوبة خالصة.. لدىَّ ست نقاط للنقاش:

1- من المهم أن تكون مدد الحبس الاحتياطى غير مفتوحة وغير طويلة، بل لها سقف زمنى محدد، أقترح ألا يتخطى فى كل الأحوال عامًا واحدًا. (القانون الحالى يحدد المدد الزمنية لهذا الحبس تبعًا للجنحة أو الجناية، ونطالب بتخفيض كل هذه المدد، وإلغاء أى استثناءات تتيح زيادتها).

2- لماذا لا نستخدم فكرة السوار الإلكترونى، بدلًا من تحمل تكلفة وضع المتهمين فى السجون، فضلًا عن تدميرهم وأسرهم نفسيًا، وهم لايزالون متهمين.

3- من المهم أن تدفع الدولة مبالغ مالية عن كل يوم يقضيه أى مواطن فى السجن، على سبيل الحبس الاحتياطى، وذلك إذا تمت تبرئة ساحته فى نهاية محاكمته. أرى أن تلتزم الدولة بدفع مقابل مادى عن اليوم الواحد (فى حالة السجن فحسب).

4- من المهم حساب النسبة بين المتهمين ممن حُبسوا احتياطيًا، وبين هؤلاء الممكن تمت تبرئتهم، على أن تترتب على ذلك مسؤولية تتحملها الجهة المختصة، التى غالت فى استخدام الحبس الاحتياطى وشغلت الجهاز القضائى بهذا الكم من القضايا التى تنتهى بالبراءة.

5- لو اتفقنا على أهمية وحتمية الحبس الاحتياطى بشكله التقليدى، وأنا أقر بهذا فى بعض الحالات، فلا منطق رياضى فى كون هذا النوع من الحبس هو المستخدم فى معظم، وربما كل، الحالات، فأين باقى البدائل؟، وما نسب تطبيقها؟، خصوصًا أن القانون قد حدد بدائل بالفعل.

6- مشكلة الحبس الاحتياطى فى مصر واضحة وضوح شمس أغسطس فى سماء القاهرة، وحسنًا فعلت القيادة المصرية بالاستجابة لتوصيات الحوار الوطني فيما يخص الحبس الاحتياطي. في انتظار المزيد من الاستجابات، خصوصًا في الملف الثقافي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.