إسلام محمد الطريفي يكتب | التوترات الجيوسياسية والأسواق المالية

0

تُعتبر التوترات الجيوسياسية من أهم العوامل التي تؤثر على الأسواق المالية العالمية بشكل مباشر وسريع، هذه التوترات مثل النزاعات المسلحة، العقوبات الاقتصادية، والصراعات الدبلوماسية، يمكن أن تُحدث تقلبات حادة في الأسواق، وتؤثر على الاقتصاد العالمي بشكل واسع. خلال الآونة الأخيرة، شهد العالم تصاعدًا في التوترات الجيوسياسية التي أدت إلى تأثيرات ملحوظة على الأسواق المالية.

في الآونة الأخيرة كانت الأسواق المالية في حالة من التقلبات المستمرة نتيجة للأحداث الجيوسياسية المتلاحقة. على سبيل المثال، النزاعات التي تمت بين الكيان الإسرائيلي وحركة حماس أواخر 2023 أدت إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط، حيث تخطت ال 90 دولار للبرميل في بداية الازمة، مما زاد من الضغوط التضخمية على الاقتصادات المستوردة للطاقة. وفي عام 2022 ارتفعت أسعار النفط لتصل إلى نحو ما يقرب من 120 دولار للبرميل بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، فأسعار السلع الاستراتيجية ترتبط طردياً مع تأجج الصراعات والنزاعات الدولية.

كما شهدت الأسواق المالية هروبًا جماعيًا لرأس المال من الأصول ذات المخاطر العالية إلى الملاذات الآمنة مثل الذهب، الذي ارتفع سعره إلى 2,100 دولار للأونصة في الربع الأول من العام، ووصل في منتصف أغسطس من نفس العام نحو 2500 دولار للأونصة.

التوترات الجيوسياسية التي شهدها العالم بداية الحرب الروسية الأوكرانية كان لها تأثيرات طويلة الأمد على العلاقات التجارية والاقتصادية بين الدول. فعلى سبيل المثال العقوبات الاقتصادية المفروضة على بعض الدول أدت إلى عزلها عن النظام الاقتصادي العالمي.

 على سبيل المثال، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على روسيا بسبب استمرار النزاع في أوكرانيا، مما أدى إلى تراجع صادرات النفط والغاز الروسية بنسبة 30% في الربع الأول من 2024. هذه العقوبات أثرت بشكل كبير على اقتصادات الدول الأوروبية التي تعتمد على الطاقة الروسية، مما دفعها إلى البحث عن بدائل أكثر تكلفة، مثل الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة وقطر.

أدى تصاعد التوترات الجيوسياسية في 2024 إلى تحولات كبيرة في تدفقات رأس المال بين الدول. الأسواق الناشئة كانت من بين الأكثر تأثرًا، حيث شهدت تدفقات رأس المال الخارجة ارتفاعًا كبيرًا. في الربع الثاني من 2024، سجلت الأسواق الناشئة هروب رأس مال بقيمة 100 مليار دولار، مما أدى إلى انخفاض قيم عملاتها بنسبة تصل إلى 15% في بعض الحالات هذا الانخفاض في قيمة العملات زاد من تكلفة الاقتراض وأثر سلبًا على استثمارات هذه الدول في البنية التحتية والتنمية الاقتصادية.

كانت أسعار السلع الأساسية، وخاصة النفط والمعادن، في حالة من التذبذب الشديد خلال 2024 بسبب التوترات الجيوسياسية. على سبيل المثال، ارتفع سعر النحاس بنسبة 25% بسبب المخاوف من تعطل الإمدادات من أمريكا الجنوبية نتيجة للتوترات السياسية. هذا الارتفاع في أسعار السلع الأساسية أدى إلى زيادة تكاليف الإنتاج للشركات العالمية، مما قلل من هوامش الربح وأدى إلى تراجع أسهم الشركات في قطاعات مثل التصنيع والبناء.

في ضوء هذه التأثيرات المتعددة، بات من الضروري أن تتبنى الحكومات والشركات استراتيجيات فعالة لإدارة المخاطر الناجمة عن التوترات الجيوسياسية. من بين هذه الاستراتيجيات تنويع مصادر الطاقة، تعزيز العلاقات التجارية مع شركاء موثوقين، والاستثمار في تقنيات جديدة تقلل من الاعتماد على المواد الخام الحساسة جيوسياسيًا. الاستعداد والتخطيط المسبق يمكن أن يساعد في تقليل الأضرار الاقتصادية الناجمة عن التوترات الجيوسياسية، وضمان استقرار الأسواق المالية على المدى الطويل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.