محمد أبوزيد محمد يكتب | مقتل الحلاج محنة كل عصر

0

يرى البعض حتى الأن, أن الحلاج أحد أولياء الله, وأن قتله كان إثمًا كبيرًا, في حين يرى البعض أن قتله كان أمرًا واجبًا, وهو ماقاله الحلاج نفسه “أقتلوني , تؤجروا وأستريح!|. وُلد أبو المغيث بن المنصور الملقب بالحلاج فى حدود سنة 244 هـ بقرية قريبة من بلدة البيضاء الفارسية ومات مقتولآ ببغداد سنة 309هـ . إن قضية الحلاج لاتقتصر على كونه رجل قتل على يد السلطة الحاكمة بفتوى فقهية أنتهت بمشهد موتآ تراجيدى, بالعكس إنها قضية كل عصر.

سلك الحلاج فى التصوف مسلكًا تعمق فيه بكليته حتى وصل الى سدرة منتهى العشق الإلهى وكانت نتيجته الحتمية بالحكم عليه بالإعدام وفى اليوم الأول من محاكمته والتي أستمرت ثلاثة أيام, قطعوا يده فغسل وجهه بدمه وهو يقول:( ركعتان فى العشق لا يجوز وضوئهما إلا بالدم ) لم يصل بيه الحال بتلك الدرجة إلا بعد مجاهدة للمعرفة والوصول لمنبع النفس حتى تصافت النفس كالمرآه فأنعكس عليها إشراق من نور مصدرها معبرًا عن تلك الحال ودمائه تسيل على وجهه 🙁 هؤلاء عبادك قد اجتمعو لقتلى تعصبآ لدينك وتقربآ اليك , فاغفر لهم , فإنك لو كشفت لهم ما كشفت لى لما فعلو , ولو سترت عنهم ما سترت عنى لما أُبتليت بما ابتليت , فلك الحمد فيما تفعل ولك الحمد فيما تريد.

بدأ الحلاج طريقه بمجاهدة النفس و هى من الركائز الاساسية التى يقوم عليها التصوف , بدأها بالسفر والترحال من مكان الى مكان فوصل الى الهند وتلقى الكثير من العلوم والتى دامت خمس سنوات وانتهت بمكة , ويتحدث عن تلك الرحلة ابو يعقوب النهرجورى “دخل الحسين بن منصور مكة, فجلس فى صحن المسجد لايبرح موضعه الا للطهارة او الطواف , لايبالى بالشمس ولا المطر، واثناء رحلته تتلمذ على يد عمرو بن عثمان المكى بالبصرة وكانت أحدى العواصم الفكرية للاسلام , وبعد خلافه مع عمرو المكى وبالتحديد عام 264هـ توجه الحلاج الى بغداد ليستشير الجنيد فى خلافه مع المكى فكان ذلك بداية اتصاله بالجنيد وعلاقته معه كمعلم ثانى , والتى انتهت بأن الجنيد طرد الحلاج من مجلسه قائلآ : اذهب فاى خشبة ستفسدها وفى ذلك اشارة تنبأ الجنيد بقتله.

لم يقل الجنيد ذلك عبثًا بل لعلمه بأن أهل زمانه لم يتقبلو ما صرح به الحلاج بما كٌشف له من معارف وتجليات, وبالفعل أعتزل الحلاج مجلس الجنيد وتواصل فى إلقاء دروسه والذى لم يصلنا منها الا الطواسين وهى عبارة عن مجموعة من المفاهيم والعقائد الصوفية للحلاج وضع فيها جملة ارآءه وهو تكوين مُنظم لأفكاره وتجلياته ومنها:

إفهام الخلائق لا تتعلق بالحقيقة، والحقيقة لا تتعلق بالخليقة.. الخواطر علائق، وعلائق الخلائق لا تصل الى الحقائق. والادراك إلى علم الحقيقة صعب، فكيف إلى حق الحقيقة.

أشار الحلاج فى هذا الاعتقاد بصعوبة الوصول إلى المعرفة الحق وقد ادرك ذلك بالمعرفة وتطوره الروحى وان اشراق التجليات الإلهية على النفوس يتفاوت بمدى استعداد النفوس ودرجة إدراكها وقد وصل الحلاج فى ادراكه واشراق التجليات الإلهية الى مرحلة الجَذب فقال:

عجبت منك ومنى يا مـنيـة المتـمنـى.. ادنيتنى منك حتى ظننت أنــك أنــى.. وغبت فى الوجد حتى افنيتنى بـك عنـــي.. يانعمتى فى حياتى وراحتى بعد دفنى

وقيل عنه انه كان يمشى فى الاسواق يصرح: أيها الناس أعلمو أن الله قد أباح لكم دمى فأقتلونى تأجرو، واسترح, اقتلونى تكتبو عند الله مجاهدين وأُكتب أنا شهيد.

لقد هام العشق به فلم يرى فى حياته سوى الله وان حقيقة وجوده هى الله ولا شئ آخر ولكن اشكالية الحلاج بين اللغة وبوحه باسراره التجلى كانت سبب نتيجته السجن ثم الحكم عليه بالقتل , قطعت يديه ثم رأسه وبعد قتل الحلاج أخذ التصوف منحنى آخر وقلت لغة الشطح وتشعبت مصطلحاتهم وأصبحت أكثر غموضًا وبرهنت السلطة الدينية المتمثلة فى الفقهاء انها لها حق الردع لاى احد تسول له نفسه ان يقر امرآ دون الرجوع اليهم قيد الابداع، قيد الفكر، قيد الفن، قيد الحب، واصبح مقتل الحلاج مثالآ حيآ فهذا الحلاج وهذه محنته ومحنة كل عصر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.