د.وليد عتلم يكتب | الرَدَعَ المصري

0

في القواميس والمعاجم؛ يتم تعريف “الرَّدْعُ” على أنه الكف عن الشيء، حيث يقولون: الحدود رادعة مانعة، أي: تكف الفاعل عن العودة إلى فعله وتمنع غيره من الوقوع فيها. والفعل رَدَعَ: ردَعَ يَردَع ، رَدْعًا ، فهو رادع ورَدَعَ جِمَاحَهُ أي كَبَحَهُ، أوْقَفَ انْدِفَاعَهُ، كَفَّهُ، ورَدَّهُ.

تُعرِّف وزارة الدفاع الأميركية الردع بأنه “منع العمل من خلال وجود تهديد موثوق به بردود أفعال مضادة غير مقبولة و/أو الاعتقاد بأن تكلفة العمل تفوق الفوائد المتصورة”. ويتطلب الردع الفعال القدرة والإرادة والقدرة على التواصل لمواجهة أنشطة الخصم من خلال التهديد بالإنكار أو العقاب.

الاقتصادي الأمريكي توماس شيلينغ الخبير في الشؤون الخارجية والأمن القومي، واحد أبرز منظري نظريات الردع قال إن الردع لا يتعلق بالحرب، بل يتعلق بـ “فن الإكراه والترهيب”. وتعترف نظرية الردع بنهجين أساسيين. فالردع بالإنكار يقوم على القدرة على ردع الأفعال من خلال جعلها غير قابلة للتنفيذ أو غير مرجحة للنجاح. والردع بالعقاب يهدد بعقوبات شديدة، سواء كانت عسكرية أو اقتصادية أو إعلامية، والأساس في كلا النهجين هو المصالح الوطنية المحددة بوضوح، أو “الخطوط الحمراء”، والتي يتم تسليط الضوء عليها عادة في وثائق الأمن القومي ويتم توصيلها من قبل القيادة ويذهب شيلينغ إلى أن سياسة الردع الفعّالة يجب أن تجمع بين القدرة والاستعداد للفوز على جميع مستويات التصعيد مع خصم محتمل، مع الحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة من أجل توصيل رسائل واضحة ومباشرة لمنع التصعيد غير المقصود.

مع التصعيد من بعض الأطراف الإقليمية، إثيوبيا وإسرائيل على وجه التحديد، كان الردع المصري واجبا، خاصة تجاه نتنياهو الذي أظهر عداء مقترنا بالنوايا التوسعية القائمة على النصوص التوراتية، وحلم الدولة اليهودية من البحر للنهر. في مواجهة كل تلك الاستفزازات عاد “الردع” مرة أخرى إلى الأجندة السياسية المصرية كمفهوم توجيهي للاستراتيجية المصرية في المنطقة، مع ارتفاع وتيرة المنافسة الجيوسياسية، وسياسة حافة الهاوية التي يصر عليها الفاعلين في المنطقة في مسلك سياسي وعسكري غير عقلاني على الإطلاق.

مصر مارست أولاً “الردع بالاطمئنان” من خلال التأكيد الدائم بمختلف الوسائل والرسائل على التوجهات السلمية للدولة المصرية، والتأكيد على سرديات التعاون والشراكة لا الصراع. لكن يبدو أن ذلك تم فهمه على نحو خاطئ؛ لذلك كان التحول نحو “الردع المحدث / المعدل” القائم على توظيف شامل القدرات ـ وليست العسكرية فقط ـ بما يحقق الأهداف والمصالح الوطنية للدولة المصرية وفي مقدمتها حفظ الأمن والسلم الدوليين. قبل الانتقال إلى المرحلة الثالثة الخاصة بـ “الردع بالعقاب” وما يستتبعه من إجراءات أكثر خشونة. لكن رغم كل الاستفزازات لا تزال القاهرة تحافظ على تطبيق أكثر عقلانية للردع.

وفي إطار سياق دولي وإقليمي تحكمه الواقعية البحتة التي ترى أن المصلحة والقوة هما جوهر السياسة، وأن العلاقات الدولية هي صراع محموم نحو زيادة قوة الدولة واستغلالها لصالح تحقيق أهدافها. أصبح الردع أحد المحددات الرئيسية في مجال العلاقات الدولية. فالبيئة الأمنية الإقليمية والدولية، وما ينتج عنها من مهددات مباشرة وضمنية للمصالح المصرية، ومتطلبات الأمن القومي المصري تفرض العودة إلى تطبيقات الردع. نعم نحترم السلام واتفاقياته، بل ونعمل على حفظه وصيانته، لكن لم ولن نقبل أبدا انتهاك السيادة المصرية وتجاوز المصالح الوطنية بأي شكل كان.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.