محمد أبو الهيل يكتب | تراجيديا الوداع حول العالم

0

وإنَّ المشاعرَ وصفَها يختلفُ عنّدَ الأُدباءِ بإختلافِ الرقع الجغرافيّة، او بإختلافِ طبيعةُ النفسِ البشرية، فترى

جميعَ الأُدباءِ يصِفونَ الوداعَ، لكنّ كلَّ شخصٍ يصفُه حيث يرى اعمقَ نقطةٍ فيه، فقال تميمُ الفاطميّ:

للهِ ايُ دمٍ أُريقَ وموقفٍ

للبينِ ضمَ مودِّعاً ومودَّعا

وقفا على جمرِ الأسى يصِفانِهِ

متعانقينَ كأنما خُلقا معا

خرسا خلا دمعِ يجولُ وأنفساً

مقبوضاً وتنفسا متّقطعا

في حين يقولُ فيكتور هيجو واصفا سوداوية الوداع والواقع الذي يزامن الحياةَ البشرية:

اننا نقضي نصف العمر ونحن ننتظر لقاء من سنحبهم، والنصف الآخر في وداع من احببناهم

وسبق هيكو الصمة القشيري حيث يصف بالم انه بات من كثرة ما فارق احبابه انه بات يظن حرام على الايام ان تجمعهُ مع من يحب وكأنه خُلق ليفارقهم فكأنما هو في عناد الدنيا حيث كل ما احب شيء فارقهُ فيقول:

لَعَمري لَقَد نادى مُنادي فراقنا

بِتَشتيتِنا في كُلِّ وادٍ فَأَسمَعا

كَأَنّا خُلِقنا لِلنَوى وَكَأَنَّما

حَرامٌ عَلى الأَيامِ أَن نَتَجَمَّعا

ويقول مارك توين في ابداء رأيه في كلمات الوداع،

ولعله يرمي الى الوداع الذي يصطنعه الفرد لسبب،

او بغير سبب، حيث يقول: ( اتمنى لك السعادة، العبارة الاكثر كذبا يستخدمها العشاق عند الوداع )

-وهنا تدخل في مجالات لتفسيرها، وصورة فهمها

ساتركها لحرية نسج خيال القارء،-

وما دمنا لم نبرح كلماتُ الوداعِ لسنا بمتجاوزيّن قول الشاعر حيث يصف عند الوداع توادعا بالاشارة وانَّ هذا يشيرُ الى انه ليس اللسان فقط يتكلم، بل يمكن لليدِ بالاشارة، وللعينِ بالنظرة، وللوجه بالبسمة، وللقلبِ بالشغف،والعيون بالدمع احياناً، وكل شيء يمكنه الكلام الا اللسان في الوداع، حيث يقول ايليا ابو ماضي :

هجروا الكلام الى الدموع لأنهم

وجدوا البلاغة كلها في الادمعِ

وفي وصف الشاعر دار حوار يكاد يكون من اوجع ما يكون بخليط من الأشارة حيث ودعته، وبالعين حيث سألت فيقول:

أشارت بأطراف البنان وسلّمت

‏وأومت بعينيها متى أنت راجعُ

‏فقلت لها والقلب فيه حرارة

‏فديتكِ ما علمي بما الله صانعُ

ويقول ديك الجن واصفاً حالة القلق والانزعاج من موقف الوداع و الخوف من ان يراهما الوشاة فيشونهما فيقول:

ودعتها لفراق فشتكت كبدي

اذ شبكت يدها. من لوعة بيدي

فحاذرت اعين الواشين فانصرفت

تعض من غيضها العناب بالبردِ

فكان اول عهد العين يوم نأت

بالدمع اخر عهد القلب بالجلدِ

ولكن الوداع له جذور اعمق، وعذاب اوجع، وابواب اوسع، من ساعة ميلادهِ فان الادباء والشعراء يرون الفراق من قبل ان يكون جنيناً حتى قبل ان يكون فكرة.

فيقول شكسبير يوافق هذه الحالة حيث يقول: اصبحت استعد للوداع قبل ان يحدث اللقاء، ما اغرب! ما تفعله الخيبات بقلب الانسان.

ويوافقه في هذه الفكرة المتنبي لكنه بفكر ارصن، و بصياغ اوجز،واسباب منطقية،حيث انه يقر بان الفراق كما يعرفهُ لو ان للفراق اب وام فيكون اخيه وتوأمه، ثم يعلل بانه لما علم انه ليس للإنسان ان يكون خالداً انه لا بد من الفراق فيقول:

اما الفرق فانه ما اعهدُ

هو توئمي لو ان بيناً يولد

ولقد علمنا اننا سنطيعه

لما علمنا اننا لا نخلدُ

وفي هذه الفكرة الواقعية التي يجب الإحاطة بها اجد في ديوان قس بن ساعدة وصفاً لهذه الفكرة، يكاد يكون منعدم النظير او قليل حيث يقول:

في الذاهِبينَ الأَوَّلينَ

مِنَ القُرونِ لَنا بَصائِر

لَمّا رَأَيتُ مَوارِداً لِلمَوتِ

لَيسَ لَها مَصادِر

وَرَأَيتُ قَومي نَحوَها

تَمضي الأَصاغِرُ وَالأَكابِر

لا يَرجِعُ الماضي وَلا

يَبقى مِنَ الباقينَ غابِر

أَيقَنتُ أَنّي لا مَحالَةَ

حَيثُ صارَ القَومُ صائِر

ومن جذور فكرة الوداع هي خوف الانسان منه بشكل يصور له الوداع بصورة مرعبة حتى اذا ما وقع الفراق

جزع الإنسان وسلم للإمر ورفض الإعتياد والتقبل بل انه يجبر نفسه احيانا على اعتياد الوجد وليس تقبل الفكرة براحبة صدر او بانها حدث مرتاد للحياة. فيقول الشاعر:

ايتها النفس اجملي جزع

ان الذي تخشين قد وقع

فقال لنفسه ان احسني جزعكِ انكِ كنتِ تخافين من الفراق وقد وقع فلا سبيل لشيء فاحسني جزعكِ.ويصف ابو تمام انه لو اراد احد سبيل الى موت إنسان فلا حاجة لفعل شيء غير السعيّ بفراقهِ بمن يحب فيصور عند ما قالوا له انهم مرتحلون، يقول تأكدتُ بإنَّ نفسي

تريد الرحيل يعني الموت فيقول:

لو حار مرتاد المنية لم يجد

الا الفراق الى النفوسِ سبيلا

قالوا الفراق فما شككتُ بانها

نفسي عن الدنيا تريد رحيلا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.