صالح مهدي عباس يكتب | التجديد في الشعر العربي

0

ساد الشعر العربي بالوزن و القافية و اللفظ الجزيل و التعبير البليغ منذ تكامل اللغة العربية قبل الأسلام بقرنين من الزمان حتى سقوط الدولة العباسية و حلول الفترة التي سميت بالعصور المظلمة و كانت فعلا كذلك. حيث خيم على العالم العربي شبح اسود دام لمدة تزير على 600 عام. لاشك ان التدهور الأقتصادي و عدم الأستقرار السياسي هو العامل الرئيسي الذي ادى الى هذا الشكل من الذبول و الأضمحلال الفكري. ذلك الأضمحلال الذي شمل كل انواع الفعاليات الحضارية من الفن و الأدب و العمارة و العلوم.
في تلك الفترة المظلمة لم نرى اديب او عالم او حتى مؤرخ يخبرنا بما حدث او ما كان يحدث في تلك العصور. امة كاملة تركت الكتاب و القلم و اتجهت الى الصحراء ليعود عصر البدواة بشكل اقسى مم مانت عليه حالة الأمة قبل الأسلام. حياة قاسية تتسم بالفقر المادي و الفكري. و شاعت الأميه و انتشر الجهل و عاد الناس الى عالم الخرافات و الجهل. بينما كانت اوربا في صراع التخلص من تلك الأفات حيث بدأ عصر النهضة في القرنيين السادس عشر و السابع عشر، كانت الأمة العربية تغوص في الأتجاه الآخر . و مما جعل تلك الفترة اسوأ هو موجات الطاعون و الجدري اضافة الى الصراعات القبلية و انتشار الفوضى بسبب انهيار الدولة.
لم يهتم العثمانيين خلال خمسة قرون من هيمنتهم على المنطقة الا بامرين و هما جمع الضرائب و تجنيد الشباب لحروبهم التوسعية في اوربا التي لعبت الدور الأكيد في الأنهيار فيما بعد.
انعدمت المدارس و اختفى الأدباء و العلماء وكأن لم تكن بغداد او القاهرة عواصم الدنيا في سالف الأيام. و جثت الكتب في الأقباء تجمع الغبار لا احد يعرف ما بداخلها.
بالتأكيد لعب التطرف الديني دوره مثل تحريم العلوم و الرياضيات و اللجوء الى التصوف الذي اصبح من اكبر المذاهب على اختلاف انواعه. ا عتقد ان هذا لعب دور جدا كبير في في العزف عن الآداب و العلوم.
تغيرت اللغة العربية في العصور المظلمة و تحولت الى لهجات متباينة و اختفت تماما اللغة الفصيحة لعدم الى استعمالها بسبب تدهور الأدب و تغير طبيعة الحياة ربما بسبب العودة الى الحياة القبلية التي كانت نتيجة مباشرة للحروب و بالذات تدمير بغداد و مدن الشام من قبل المغول و التتار و استيلاء المماليك على مصر و حكمهم الجائر و الأهتمام بالمصالح الشخصية في الحكم و انعدام الرؤيا المستقبلية السديدة.
أصبحت الكلمة الدارجة هي و سيلة التعبير اليومي و المرور اما البلاغة فليس لها من يشتري او يبيع. و بذلك انعدم الحافز الأقتصادي لأستعمال الكلمة الفصيحة و الجملة البليغة و اندثر الأدب و الشعر ما باقي الفنون و العلوم.
كان الأنعزال الجغرافي و عدم وجود وسائل نقل ذو دور مهم ، لم يعرف العرب ماذا كا يحصل في اوربا من وعي و نهضة، و حرمت الدولة العثمانية دخول الآلة الطابعة التي اكتشفت في القرن السابع عشر و لم تصل العالم العربي الا بع قرنين من الزمن. لعبت الآلة الطابعةً دورا محوريا في تطور العلم و الأدب و تحديث اسلوب الحياة و كذلك نشر المعلومة و نشر الكلمة الذي تبين فيما بعد انه عامل اساس في التطور.
بقيت الأمة العربية في سبات حتى غزو نابليون لمصر و سفر رفاعة رافع الطهطاوي الى فرنسا حيث كان ذو عقل متفتح عاد الى مصر بالكثير مت التحديث و التفتح الذي ادى الى انشاء المدارس و الجامعات في عصر محمد علي.
كانت هذه التطورات في مصر هي السبب الرئيس في انبعاث روح التحديث في الأدب العربي ادت الى ظهور شعراء افذاذ مثل محمود سامي البارودي و احمد شوقي و معروف الرصافي و جبران خليل جبران و عدد كبير من شعراء المهجر و ادباء المقالة و القصة. توج القرن العشرين بثلاثة احداث غيرت وجه الأدب العربي و هي جبران خليل جبران و جائزة نوبل لنجيب محفوظ و الظاهرة الأخيرة هي بدر شاكر السياب الذى ابتدع الشعر الحر .
اعتقد ان السياب هو ظاهرة تجديد نادرة من نوعها في الشعر العربي. جرأة التغيير و التمكن من رسم صورة و مشهد شعري فريد من نوعه ، قلده الكثير و بالتاكيد انجحهم نزار قباني.
للأسف يشهد الأدب العربي ركود شديد منذ منتصف القرن العشرين.
بالتأكيد لدينا الكثير من الشعراء الذين يكتبون على الطريقة التقليدية من الرجز و السجع و لكن لا يوجد الا القليل من الناس من يقرأ الشعر، و ذلك بسبب العيوب التقليدية فيه و هي التقليد الممل ، غياب الجزالة و البلاغة و استعمال الكثير من الكلمات التي هي شبه العامية و أختفاء التجديد.
القاريء يريد شيء جديد مختلف عن التقليد، لولا اعجوبة السياب لم يحصل تغيير ، تحمل السياب و نازك الملائكة هجوم من جميع الجهات من دعاة الجمود و التقليد لكن الموهبة الحرة اثبتت جدارتها لان القاريء يحب التغيير . صحيح ان السياب ظاهرة سحرية قد لا تتكرر لكن هذا لا يمنع من الدعوة للتغير .
ربما يكون هذا بشكل نثر او خطابة او استعارات من الأدب القديم لأحياء المفردة الجزيلة و التعبير البليغ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.