وليد عتلم يكتب | التهجير ومعركة المخيمات الصيفية

0

هو الاقتحام الأكبر للضفة منذ 24 عاما عددا وعتادا وتسليحا؛ منذ الانتفاضة الأقصى عام 2000، وعملية “السور الواقي” 2002. تكتيكيا؛ هناك تخوف إسرائيلي متزايد من اتساع نطاق المقاومة في الضفة الغربية بما يعني 7 أكتوبر جديدة، لكن هذه المرة من الضفة وليس من غزة، خاصة بعد ارتفاع مستوى عمليات المقاومة وتطورها نوعيا وانتقالها من حالة الدفاع عن المخيمات إلى حالة الهجوم على أهداف للاحتلال داخل الضفة وخارجها، تحديدا المستوطنات شمالي الضفة. هذا الخوف يتصاعد مع دعوة خالد مشعل القيادي بحماس ما بعد اغتيال إسماعيل هنية إلى عمليات استشهادية فردية تستهدف المصالح الإسرائيلية في كافة الأراضي المحتلة. أما التخوف الإسرائيلي الثاني في الضفة يتعلق بعناصر المقاومة نفسها، فالأمر لم يعد قاصرا على عناصر حماس وجهاد، أصبح لدي مخيمات الضفة كتائب خاصة بها مثل: كتائب طولكرم، جبع، وعرين السود. وغيرهم ما يؤسس لجيل جديد من المقاومة أكثر عنفا، وأكثر مقاومة.

سياسيا؛ اقتحام الضفة في جزء كبير منه تغطية للإخفاقات في تحقيق أهداف العملية العسكرية في قطاع غزة، والفشل عسكريا في التصفية الكاملة لحركة حماس، وتصفية السنوار على وجه التحديد. ثم الفشل الأمني في استعادة الرهائن عسكريا أو من خلال التفاوض، وما استتبع ذلك من غضب عارم بعد العثور على جثث 6 رهائن داخل قطاع غزة، شهدت إسرائيل مظاهرات واسعة، انضم اليها اتحاد نقابات العمال الإسرائيلي (الهستدروت)، القى المحتجون باللوم على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو لعدم إبرام صفقة رهائن واتفاق لوقف إطلاق النار. وبدأ إضراب شامل في انحاء إسرائيل.

عسكريا؛ آلة الحرب الإسرائيلية تستعرض قوتها وتغطي على فشلها أمام حكومة اليمين المتطرف التي تهاجم القيادة العسكرية، وتتهمها بالفشل، وتحملها مسؤولية ما حدث في السابع من أكتوبر، وبالتالي اقتحام الضفة محاولة من القيادة العسكرية لتروي ظمأ صقور اليمين المتطرف المتعطشة دائما وأبدا للدماء.

استراتيجيا؛ اقتحام الضفة هو عودة لمخطط “خطة الحسم” الذي قامت عليه حكومة نتنياهو السادسة في 29 ديسمبر 2022، وهو المخطط الناجم عن اتفاق بين مكونات أحزاب أقصى اليمين المتطرف بقيادة وزير المالية بتسلئيل سموتريش زعيم الحزب الصهيوني الديني، وايتمار بن غفير زعيم حزب العظمة اليهودية ونتنياهو. هذا المخطط ينقل إسرائيل من مرحلة “إدارة الصراع” إلى مرحلة “حسم الصراع”، هذه الخطة تقوم على أربع مراحل، هي: إحداث فوضى بالضفة الغربية وتضييق الخناق على مواطني الضفة والمخيمات، وثانيا إسقاط السلطة الفلسطينية من خلال الضغط عليها ماليا وسياسيا وأمنيا، لذلك لا عجب أن المسئول عن الضفة في الحكومة الإسرائيلية هو وزير المالية نفسه، أما ثالث مراحل المخطط الإسرائيلي تشتمل على تصفية الحركة القومية الفلسطينية من خلال استهداف عناصرها سواء بالتصفية أو بالاعتقال. والمرحلة الرابعة والأخيرة والأخطر تقضي بترحيل وتهجير مواطني الضفة.

لذلك عاد مصطلح “الوطن البديل” لسكان الضفة في الأردن ـ كما هو الحال مع سكان غزة في مصر ـ يتردد مرة أخرى في الخطاب السياسي الإسرائيلي، وأنه لا دولة فلسطينية في الضفة، ولا حكم فلسطيني في الضفة، بما يعني فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية المحتلة وإجهاض أي أمل في دولة فلسطينية مستقلة، من خلال توطين اللاجئين والمهجرين قسريا حيث يقيمون، وأنه لا حاجة للقدس عاصمة للدولة الفلسطينية المنتظرة، وبالتالي إعفاء إسرائيل من مسؤولياتها كسلطة احتلال، والإقرار والتسليم بكل إجراءات الاحتلال من تهويد وطمس للهوية العربية في الأراضي المحتلة، لذلك حديث بن غفير عن كنيس في المسجد الأقصى ليس من قبيل الصدفة، وكذلك الغاء كافة قرارات الشرعية الدولية التي تشكل مرجعية سياسية للقضية الفلسطينية، وما يترتب على ذلك من هدم للركن السياسي والقانوني للقضية الفلسطينية.

 إذن فكرة “الوطن البديل” القائمة على التهجير القسري، هي مكون رئيسي في العقيدة السياسية والعسكرية والاستراتيجية لحكومة إسرائيل السابعة والثلاثين، كتصور نهائي لتصفية القضية الفلسطينية دون إنهاء احتلال أو التنازل عن أراضي أو إخلاء مستوطنات. لذلك الضفة كانت البداية لذلك المخطط وليس غزة، لكن هجمات السابع من أكتوبر جعلت غزة هي بؤرة التركيز، رغم ذلك إسرائيل تعتبر أن اللحظة الراهنة هي الأفضل والأنسب لخيار تصفية القضية الفلسطينية من خلال طرح “الوطن البديل”.

لذلك حديث يسرائيل كاتس وزير الخارجية الإسرائيلي عن “ترحيل مؤقت” للسكان هو حديث غير حقيقي، نحن نتحدث عن تهديد قائم بالفعل وليس مجرد فزاعة، تهديد فعلي لأمة وقضية وشعب، وتهديد فعلي أيضا لكل من مصر والأردن.

لكن؛ كل المخططات تفشل وتسقط أمام مصر، والقيادة المصرية كانت متيقظة ومتحسبة للمخطط الإسرائيلي منذ بداية العدوان على غزة، والموقف المصري كان متوقعا للمسلك الإسرائيلي السياسي الإسرائيلي والعسكري، لذلك كان التأكيد المصري الدائم على ضرورة شمولية الحل، وأن أية ترتيبات نهائية لابد أن تتضمن “حلا سياسيا لكل فلسطين” لا لغزة فقط، وهو الحل القائم على الدولتين، دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو، وعاصمتها القدس.

الدولة المصرية، كانت وستظل العقبة الوحيدة في مخطط تقسيم الإقليم شمالا وجنوبا وشرقا هي الدولة المصرية، مصر هي من تقف حائلًا أمام التهجير القسري للفلسطينيين، وتصفية القضية الفلسطينية. ومصر هي الداعم الرئيسي لوحدة السودان، وهي الضامن لأمن واستقرار الصومال. علينا أن نكون أكثر وعيا بمحددات المخطط الأكبر، وأن ندعم موقف القيادة المصرية لأنها تعلى أولا وأخيرا من المصالح الوطنية المصرية في ضوء استقطاب دولي بالغ الصعوبة، ووجود ذئاب متحفزة دائمًا وأبدًا مثل إسرائيل، إيران، وإثيوبيا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.