سنية الحسيني تكتب | هل تشعل إسرائيل الحرب في لبنان؟ (2 – 2)

0

إن عدم وقف الحرب في غزة بشكل كامل، ومواصلتها بشروط أسهل لجيش الاحتلال خلال المرحلة الثالثة، يضمن استمرار حالة الاستنزاف في غزة، وتحقيق أهداف هذه الحكومة من حربها ضد الشعب الفسطيني بشكل عام، والتي بدأتها قبل حرب غزة، في الضفة الغربية، بتصعيد الاستيطان، وبتقويض مكانة واستمرار السلطة الفلسطينية، والآن في حربها أيضا على غزة، وذلك لإرساء أوضاع جديدة في الضفة وغزة، لم يخفها قادة حكومة نتنياهو.

قد تقدم حرب واسعة رادعة لحزب الله مخرجاً سياسياً مهمها لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، خصوصا في ظل الاضطراب الداخلي بعد اصدار محكمة العدل العليا قرار بتجنيد المتدنيين في الجيش، وتوجه الكنيست بعد عطلته لاقرار قانون لينظم عدم تجنيدهم، في ظل خلافات داخله حول إقراره. تلك الصراعات الداخلية والانقسام المجتمعي في إسرائيل بين اليمين واليسار حول الإصلاح القضائي المثير للجدل، والذي بدأ مع صعود حكومة نتنياهو اليمينية، وكانت حرب غزة سبباً في تجميده، وقد تكون حرب جديدة في لبنان مخرجاً جديداً لتجميد ذلك الصراع الداخلي الذي عاد للواجه مع معضلة تجنيد المتدينين المستمرة منذ عقود، وضمانة لاستمرار بقاء حكومته اليمينية، وتأجيل محاكمته لشهور أطول.

وقد تأت إجابة السؤال الثاني بين ثنايا ما أكد عليه المبعوث الرئاسي الأميركي، آموس هوكشتاين، خلال زيارته للبنان مطلع النصف الثاني من الشهر الماضي، حيث أكد أن الإسرائيليين يتحضرون فعلًا لحرب مع لبنان، واضعاً شرطاً لعدم الوصول لحالة الحرب، لا يطالب حزب الله بوقف القتال، وإنما يربط ذلك بانسحاب حزب الله من جنوب الليطاني، خصوصاً وأن ذلك يرتبط بعودة عشرات آلاف من المستوطنين اليهود للقرى الخالية اليوم على الحدود، وهو ما قد يكون الشرط المحدد لعدم خوض إسرائيل حرب قادمة مع لبنان، إلا أن تحقيقه قد لا يمنع حدوث تلك الحرب، إن كانت في نية نتنياهو.

كان واضح من بداية الحرب، وتوجه حزب الله لتأجيج الجبهة الجنوبية مع إسرائيل، كجبهة مساندة لحماس واستنزاف وتشتيت لقدرات جيش الاحتلال في غزة، أن إسرائيل لم ترغب بفتح جبهة حرب واسعة مع الحزب، لحين الانتهاء من غزة. إلا أن تصاعد القتال المضبوط في الشمال، وفتح الاحتلال لحدود ذلك التصعيد، كشف تدريجياً عن مستوى تطور الترسانة التي تراكمها حزب الله، والتي باتت إسرائيل تعتبرها كاسرة للتوازن، وتكبدها خسائر فادحة. يأتي ذلك في ظل الاتهامات التي تتراشقها قيادة الاحتلال، حول هجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر الماضي، والذي كشف عن قدرات لحركة حماس لم تكن تضعها إسرائيل ضمن حسابتها. إن سعي إسرائيل لاستعادة قوة الردع في المنطقة، حيث تشير التقارير الإسرائيلية إلى أن الحزب أصبح يشكل التهديد العسكري الأخطر على إسرائيل، لا يمكن أن يكتمل بالحرب على غزة دون محاربة حزب الله. إن ذلك قد يفسر قرار إسرائيل بالذهاب لحرب مع حزب الله، والذي يعني عدم الاكتفاء فقط بهزيمة حزب الله، بل وبحاضنته الشعبية، تماماً ما حدث مع حركة حماس في غزة.

اذن نحن أمام أيام معقدة، في ظل قيادة نتنياهو وحكومته المتطرفة، ليس فقط باتجاه احتمال إشتعال جبهة لبنان، والذهاب لحرب مدمرة، قد تفتح الجبهات الإقليمية بشكل أوسع، بل ستبقى الساحة الفلسطينية مفتوحة للتصعيد في الضفة والاستنزاف في غزة. قد تساعد التفاهمات بين الأطراف الفلسطينية المختلفة وفي لبنان لقلب معادلات العدو. إن ما يعيشه الفلسطينيون من عذاب تحت سلطة وعدوان احتلال لم يشهد العالم مثل دمويته وإجرامه، لن يوقف الفلسطينيون عن مواصلة مساعيهم لنيل حريتهم، لكنه يفرض عليهم لتنسيق مواقفهم وسياساتهم فيما بينهم ومع لبنان والدول الصديقة، لتجنب فلسطين ولبنان ودول المنطقة مؤامرات الاحتلال الخبيث ضد المنطقة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.