نور الشيخ يكتب | أوكرانيا.. فلسطين

0

الصراع الروسي ـ الأوكراني، ليس صراعًا على أرض أو ثروات، أو حتى على أوكرانيا بما تمثله من سلة غذائية للعالم أو منفذ بحري لروسيا العظمى؛ بل هو حرب كبرياء بين ما يعرف بالإمبراطورية الروسية وأمريكا، القطب الأوحد.
أزعم أنها من أذكى وأمهر الحروب على مرّ التاريخ. لكننا لسنا بصدد الشرح الاستراتيجي والعسكري الآن؛ إذ سيتم تناول هذا الموضوع في أجزاء أخرى. ما يعنينا هنا، هو أن الكبرياء الروسي، لم تهزمه التغيرات. قد تكون روسيا، واجهت صعابًا، وتولى أمرها بعض الفاسدين والمرتشين، الذين ضحوا بقوميتهم وكبريائهم مقابل مصالح شخصية، إلا أن “الابن المخلص” للإمبراطورية، أعاد لها رونقها من جديد.
ماذا فعلت أمريكا تجاه هزائمها المتكررة في الميدان الروسي؟ ماذا فعلت بعد أن انكشف أمرها أمام العالم، وظهرت بصورة بلطجي الحارة، عالي الصوت؟ ولكن الغريب أن نبوت البلطجي، هذا، لا يُرفع إلا أمام الضعفاء؛ استغلت قوتها الإعلامية، لتصوير الحدث على أنه طغيان روسي وغرور من بوتين وعجرفة من فلاديمير، ثم روجت إعلاميًا لحزمة من العقوبات الشديدة والقاسية على روسيا، منها منع التمثيل الروسي في البطولات العالمية، وسحب امتيازات “البرجر” و”الفرايد تشيكن”.
حتى الآن، لم ينتصر القطب الأوحد. حتى وأن بلغ الصياح الإعلامي مداه، فهو لم ينتصر، ولن ينتصر؛ لأن الإعلام، يصور فقط قوة ظاهرية، وفي الواقع الافتراضي، قد يكون قويًا، لكن على أرض الواقع، هو ليس كذلك. فما كان القرار إذن؟
كما اعتاد القطب الأوحد، أن يصور للعالم، من خلال السينما، أنه صاحب انتصارات عبقرية عظيمة، كما في أفلام البطولات الفردية، التي طالما حدثونا عنها، قرر القطب، أن يحقق “انتصارًا” في معركته مع روسيا، لكن بنقل كاميرات الإعلام إلى أرض أخرى، وهي الأراضي الفلسطينية، ومنها إلى لبنان وإيران. هذا هو نصره الزائف أمام الدب الروسي؛ فقد قرر أن يرفع “النبوت” في وجه شعبين أعزلين: الفلسطيني واللبناني، مستخدمًا “صبّي المعلم” في المنطقة.
هل تتابع اليوم أخبار روسيا.. أوكرانيا.. زيلينسكي.. بوتين؟ ما هو آخر تصريح لأحدهم؟
القطب الأوحد، قرر أن يحافظ على هيبته بشكل إعلامي، عبر قتل العديد من النساء والشيوخ والأطفال في ميدان مختلف عن ذاك الذي انهزم فيه، تمسكًا منه بعرش العالم، ورفضًا لتعدد الأقطاب، وكما يُقال، “اضرب المربوط، يخاف السائب”. ما أن فطن القطب الأوحد إلى مغبة خسائره غير المتوقعة عالميًا، على الصعيد السياسي والاقتصادي والعسكري، حتى وجه كل قدراته إلى التورية والتزييف، وإلباس الباطل بالحق، متجهًا نحو ملعب جديد، وقضية أخرى، تتيح له الظهور بمظهره القوي المعتاد؛ فكانت الحرب على غزة في توقيت محسوب.
ورغم أن توقيت الحرب قبيل الاستعداد للانتخابات الأمريكية، قد يبدو مبررًا، إلا أن الأمر لا يتعلق بترشح بايدن أو سحب ترشيحه بمعرفة الحزب الديمقراطي؛ بل يرتبط بمبدأ “إن لم تستطع إثبات وجهة نظرك، فشكك في وجهة نظر أخرى”. بمعنى آخر، إن لم تستطع هزيمة عدوك، فاهزم عدوًا آخر. ليس الهدف تخويف العدو الأساسي، بل الحفاظ على صورتك القوية أمام حلفائك.
كلنا نعلم، وربما يختلف البعض، أن الإرهاب أو الميليشيات المسلحة، هي صناعة أمريكية بامتياز، تتحكم فيها بيسر وخفاء، إلا في بعض المساحات، التي تتيح لهذه الجماعات التحرك، لترهيب من تريد أمريكا ترهيبهم. فالدولة الإيرانية، على سبيل المثال، تتسم بالغوغائية في تصريحاتها. كذلك حزب الله، الذي كان يدّعي امتلاكه ترسانة مرعبة، تخشى منها إسرائيل، تبيّن في النهاية، أن هجماته لا تتعدى كونها مجرد رشقات ضعيفة.
أما بالنسبة لحركة حماس، بعيدًا عن دورها في إثارة القلاقل شمال شرق مصر إبان فترة 2011 والحكم الإخواني، فإن أرقام الحرب الأخيرة، خير دليل على فداحة المشهد، ومقدار ترويجها لقوتها المزعومة.
بدعم أمريكي، تشن إسرائيل منذ السابع من أكتوبر 2023 حربًا مدمرة على غزة، خلفت أكثر من 132 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة. أما حصيلة قتلى الجيش الإسرائيلي، فقد أوضحت المعطيات أن 690 جنديًا وضابطًا قُتلوا منذ بداية الحرب، بينهم 330 في المعارك البرية بقطاع غزة. هل هذا ما تسمونه مقاومة؟ هل هذا ما تعلمناه من تقدير حجم وقوة العدو حتى لا نقع في هوة سحيقة تبتلع شعبًا بأكمله؟
هذا أكثر مما تمنته أمريكا في حربها الإعلامية؛ من أجل شهرة إعلامية يبحث عنها قادة حماس المقيمون بالخارج، يكون هذا هو الثمن؟ وكما قال وكتب المصور الصحفي وبروفيسور التاريخ العسكري إريك دورتشميد: “دور الصدفة والغباء في تغيير مجرى التاريخ”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.