علي حاتم فؤاد يكتب | الإدارة والتنمية والأمن القومي

0

تمثل أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 خارطة طريق طموحة، وضعتها الأمم المتحدة في عام 2015، لمعالجة أكبر التحديات التي يواجهها العالم. تتآلف هذه الأهداف من 17 هدفا شاملا يتناول جوانب مختلفة، مثل القضاء على الفقر والجوع، وضمان الصحة والتعليم الجيدين، وتحقيق المساواة بين الجنسين، والاستخدام المسئول للموارد، والطاقة النظيفة، وغيرها. وتهدف هذه الأهداف إلى تحقيق تنمية مستدامة بحلول عام 2030، من خلال التعاون الدولي، والجهود المشتركة بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني، حيث تمثل خارطة الطريق وسيلة لتحسين نوعية الحياة للناس في جميع أنحاء العالم والحفاظ على كوكب الأرض لأجيال المستقبل.
إن أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، التي اعتمدتها الأمم المتحدة، تتناول مجموعة واسعة من القضايا العالمية الحاسمة، بما في ذلك العديد من الأهداف ذات الصلة بالأمن القومي للدول. فعلى سبيل المثال، الهدف الأول المتعلق بالقضاء على الفقر بجميع أشكاله في كل مكان، يساهم بشكل مباشر في تعزيز الاستقرار والأمن في المجتمعات، حيث أن الفقر المدقع في بعض البلدان النامية، يجعلها في حاجة دائمة للدول الخارجية، وتحت سيطرتها الاقتصادية، لتلبية احتياجاتها الغذائية، ما يهدد سيادة الدولة واستقرارها الاقتصادي والأمني، ويشكل تهديدًا للأمن القومي.
يرتبط الهدف الثالث، المتعلق بضمان حياة صحية وتعزيز الرفاهية للجميع في جميع الأعمار، بالأمن القومي أيضًا، حيث أن الصحة العامة، تمثل إحدى الركائز الأساسية للأمن البشري. فانتشار الأوبئة والأمراض المعدية، يجعل الدولة عرضة لتدخلات الدول الكبرى، التي تقدم خدمات صحية وأدوية مقابل فرض سيطرتها، ما يؤدي إلى تقويض الاستقرار السياسي والاقتصادي، ويؤثر سلبًا على قدرة الحكومات على حماية مواطنيها، وضمان أمنهم.
إضافة إلى ذلك، يرتبط الهدف الرابع، المتعلق بضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع، وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة، بالأمن القومي، حيث يلعب التعليم دورًا محوريًا في تنمية الموارد البشرية، وبناء القدرات اللازمة، لمواجهة التحديات الأمنية، والدفاع عن المصالح الوطنية. كما أن تحسين مستويات التعليم، يساهم في تعزيز الوحدة الوطنية، وتقليل مخاطر الصراعات المجتمعية.
كما يرتبط الهدف السادس، المتعلق بضمان توافر المياه وخدمات الصرف الصحي للجميع وإدارتها بشكل مستدام، بالأمن القومي، حيث قد تؤدي ندرة المياه وسوء إدارتها إلى نزاعات إقليمية على مصادر المياه المشتركة بين الدولتين، ما قد يتسبب في صراعات، قد تصل إلى نزاعات مسلحة، وهو ما ينعكس سلبًا على الاستقرار السياسي والأمني. وبشكل عام، فإن تحقيق هذه الأهداف المتعلقة بالحد من الفقر والجوع، وتحسين الصحة والتعليم والمياه والبنية التحتية، يساهم بشكل كبير في بناء مجتمعات مستقرة وآمنة، ويعزز الأمن القومي للدول على المدى الطويل، وهو ما يتطلب جهودًا متكاملة من قبل الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص، لتنفيذ هذه الأهداف بشكل فعال.
يتداخل تحقيق أهداف التنمية المستدامة بشكل جوهري مع تعزيز الأمن القومي على مختلف الأصعدة، إذ يقود النجاح في تنفيذ هذه الأهداف إلى مستويات متقدمة من الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ما ينعكس بشكل مباشر على صلابة الأمن القومي.
فعلى المستوى السياسي، تساهم برامج التنمية المستدامة في إرساء أسس الحوكمة الرشيدة من خلال بناء مؤسسات قوية وشفافة تخضع للمساءلة، وتعزز المشاركة السياسية للمواطنين. كما تعمل على حماية حقوق الإنسان، وترسيخ مبادئ العدالة الاجتماعية، ما يخلق بيئة سياسية مستقرة، تقلل من احتمالية نشوب النزاعات الداخلية. وفي ظل نظام سياسي متماسك ومستقر، يتحقق الأمن القومي، ويتعزز الاستقرار على المدى الطويل.
أما على المستوى الاقتصادي، فإن التنمية المستدامة، تسهم في توفير فرص عمل كريمة، وتحقيق نمو اقتصادي شامل، يرفع من مستوى المعيشة، ويقلل من معدلات الفقر والبطالة. هذا الاستقرار الاقتصادي يقلل من احتمالية حدوث اضطرابات اجتماعية أو صراعات مسلحة، قد تزعزع الأمن الوطني. إضافة إلى ذلك، فإن تنويع مصادر الدخل، وتعزيز الاستدامة البيئية، يرسخان الأمن الاقتصادي، ويضمنان استقرار الطاقة، ما يجعل الدولة أقل عرضة للتقلبات والأزمات. بشكل عام، فإن التنمية المستدامة، ليست مجرد هدف تسعى إليه الدول، بل هي ركيزة أساسية لحماية أمنها واستقرارها على جميع الأصعدة.
وعلى الصعيد الاجتماعي، تعمل التنمية المستدامة على تحقيق العدالة والمساواة، وتمكين الفئات المهمشة، ما يسهم في تعزيز الاندماج الاجتماعي والتماسك المجتمعي. وعندما يشعر الناس بتوفر الفرص المتكافئة والخدمات الأساسية، فإن ذلك يقلل من أخطار التطرف والعنف، التي قد تهدد الأمن القومي.
علاوة على ذلك، فإن التنمية المستدامة، تساهم في تعزيز الأمن البيئي والمناخي من خلال الحفاظ على الموارد الطبيعية ومكافحة تغير المناخ، ما يقلل من أخطار الكوارث الطبيعية والصراعات المرتبطة بندرة الموارد، والتي قد تهدد استقرار الدول وأمنها القومي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.