دينا المقدم تكتب | الحركات النسوية في أفريقيا والعالم العربي

0

أفريقيا، القارة التي كانت عذراء بخيراتها وثرواتها وغاباتها، تحولت خلال عقود من الزمن إلى مقبرة للموت، ومرتع للفساد، وساحة للصراعات والحروب والانقلابات. كما أصبحت رهانًا كبيرًا للمؤسسات المالية الكبرى، وسوقًا ضخمة للمنتجات الغربية. إنها تحولات كبيرة حدثت في هذه القارة السمراء، عبَّرت عنها مؤشرات وأرقام مفزعة: 22 مليون حالة وفاة بمرض الإيدز، 36 مليون إصابة بفيروس الإيدز، وديون بلغت 330 مليار دولار. كل هذا في ظل غفلة من الحكام والمسؤولين، الذين انشغلوا في مئات الصراعات والحروب والانقلابات، ما يطرح تساؤلات حول الخلفيات الكامنة وراء هذه المآسي.
لا تزال النظرة النمطية الشائعة عن القارة الأفريقية على حالها؛ حيث يراها من هم خارجها، قارةً بورًا تملؤها الغابات، تمر عبر الأنهار، وتتفشى فيها الأمراض، ويعم سكانها الفقر والجهل.فهي، باختصار، قارة خارج العالم. وبرغم التطورات الاقتصادية والسياسية، التي شهدتها بعض بلدانها، فإن هذه النظرة لم تتغير، ولم تلفت تلك التطورات انتباه أحد.
المرأة الأفريقية، بدورها، لم تسلم من هذا الإطار الجامد، والقالب المحدد، الذي ترسخ في أذهان العالم، خاصة الدول الغربية، التي لم تكلف نفسها عناء مد يد العون لهذه المرأة إلا بالقدر الذي يمكن أن تستفيد منه. صحيح أن القارة مليئة بالمشاكل على مختلف الأصعدة، وأن المرأة والأطفال، كانوا أبرز الضحايا، إلا أن الجهود المحلية، التي بُذلت في السنوات الأخيرة، كان لها مردود إيجابي، حيث يقول تقرير منظمة العفو الدولية: إن امرأة واحدة من كل ثلاث نساء في العالم، عانت من العنف الجسدي، في حين أن هذه النسبة في أفريقيا تصل إلى واحدة من كل أربع.
آن الأوان لبحث مدى تمكن المرأة من المجتمعات الأفريقية، وتحديدًا أفريقيا، جنوب الصحراء، خاصة أنّ هذه المنطقة هُضم حقها كثيرًا في البحث والدراسة بوجهٍ عام، والمرأة فيها بوجهٍ خاص. كما أنها تفتقر إلى اهتمام العالم العربي والإسلامي، ما جعلها فريسة سهلة ولقمة سائغة للأفكار والتيارات، لا سيما مَن يختبئون تحت لباس الإسلام، لتسهيل النفاذ إليها.
يشكل المسلمون حوالي 27% من سكان البلدان الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، والبالغ عددهم حوالي 129 مليون نسمة، وهم يشكلون أغلبية السكان في تسع دول. فإذا كانت النساء، تشكل نصف مجموع السكان، وفقًا للتقديرات، فإن عدد النساء المسلمات اللاتي يعشن في هذه البلدان، يبلغ حوالي 65 مليون امرأة. ومع ذلك، فإنّ مستويات التعليم، وتوقعات الحياة ومستويات الدخل في هذه البلدان، تُعد من أقل المستويات في العالم عمومًا.
“النسوية”، هي النظرية التي تنادي بمساواة الجنسين سياسيًّا، واقتصاديًّا، واجتماعيًّا. وتسعى، كحركة سياسية، إلى تحقيق حقوق المرأة واهتماماتها، وإلى إزالة التمييز الجنسي، الذي تعاني منه. تنطلق النسوية من فكرة اضطهاد المرأة والعداء للرجل، بوصفه مسئولًا عن كلّ معاناتها.
زعمت “النسوية”، أنّ الرجل اختلق فكرة الأدوار الطبيعية، وأطلق عليها مسمّى “النمطية”، لتزييف وعي المرأة، وإقناعها بأنّ دورها هو الإنجاب، ورعاية الأسرة، بدعوى أنها مؤهلة لذلك بحكم تكوينها البيولوجي. ويُنسب للرجل، بحسب زعمهن، العمل في الخارج بما يضمن له السيطرة على المجال العام، والتحكم في الموارد الاقتصادية، ما أبقى المرأة في مكانة غير متساوية مع الرجل سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا.
تطرف الفكر النسوي، لينتقل من عدائه للرجل إلى عدائه للأديان، واصفًا إياها بـ”الأديان الذكورية”، لأنها، وفقًا لمقولاتهم، رسخت هذا التقسيم. كما رأى النسويون المتطرفون، أن الأنظمة الحاكمة ذكورية، والتاريخ ذكوري، واللغة ذكورية.
ينبغي أن لا يخدعك كَمُّ الكراهية الموجهة ضد الرجال على الإنترنت، فما زالت كلها حالات فردية، لا تمثل جوهر الفكرة النسوية. فالحركة النسوية، تسعى إلى تحقيق المساواة بين الجنسين، وهدفها خلق مجتمع لا تتحدد فيه السعادة والنجاح على أساس النوع.
يرفض معظم النسويين الاعتقاد بأن النساء أفضل من الرجال، ويرين أن النساء اللاتي يعادين الرجال يخرقن القواعد الأساسية للحركة النسوية، التي تدعو إلى المساواة بين البشر جميعًا. لكن وجود النساء الكارهات للرجال كعضوات في الحركة النسوية، لا يعيب الحركة نفسها.
في اعتقادي، تم تشويه الحركات النسوية في العالم العربي وأفريقيا بشكل كامل. فقد تحولت، بين تصريحات المساواة والندية بين الرجل والمرأة، إلى معاداة للمرأة نفسها في بعض الأحيان. فأصبحت الحركات النسوية بيزنس وشو إعلامي وشعارات عقيمة لا تُنجب حقوقًا.
كان قاسم أمين، يرى أن تربية النساء، هي أساس كل شيء، وأنها تؤدي لإقامة مجتمع صالح، يُخرج أجيالًا صالحة من البنين والبنات. إن الحركة النسوية، بالرغم من تجاوزها قرنًا من الزمان، لا تزال نخبوية، قائمة بالأساس على مخاطبة الشرائح المتقدمة اجتماعيًا وثقافيًا، وعلى المؤتمرات وورش العمل. لذلك، فهي غير مؤثرة بدور كبير في المجتمع المصري، خاصة في المدن الصغيرة والأرياف. ولولا دعم الدولة لهذه الحركة لما أحرزت نصف الإنجازات البسيطة التي حققتها حتى الآن.
حان الوقت للتركيز بشكل عملي على أرض الواقع لتصحيح مفاهيم النسوية، والاهتمام بالمرأة في أفريقيا، خاصة الشريحة الأمية منها. فالهدف ليس هدم البيوت، ولا تحويل المرأة إلى امرأة تنافس الرجل أو تقلل من شأنه، وإنما أن تقف الحركات النسوية سدًا منيعًا ضد العنف والاضطهاد الممارس ضد المرأة، وأن تعمل على تنويرها بحقوقها كمواطنة وليس كنوع.
يمكنني، أخيرًا، أن أضع تعريفًا جديدًا للنسوية: إنها الساحرة الطيبة في قصة سندريلا، التي تحول الأشياء القديمة البالية إلى أشياء جديدة مفيدة ومتطورة، وتضيف البهجة بلا حدود إلى القلب، وتبني أسرة سوية سعيدة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.