محمد عصام يكتب | حل لقانون الإيجار القديم

0

في التاسع من شهر نوفمبر الحالي، أصدرت المحكمة الدستورية المصرية قرارًا بعدم دستورية تثبيت القيمة الإيجارية للشقق السكنية الخاضعة لقانون الإيجار القديم، لأن ذلك يتعارض مع مبادئ قانونية أساسية، أهمها تحقيق العدالة بين المتعاقدين، وهما المالك والمستأجر في تلك الحالة. القرار لا يمس أحقية أبناء المستأجرين وأحفادهم في تمديد عقد الإيجار، وفق اشتراطات قانونية محددة، لكنه ألزم المؤسسة التشريعية بتعديل البنود المتعلقة بالقيمة الإيجارية خلال 9 أشهر.
بالطبع، أثار هذا القرار موجة من القلق بين المستأجرين “الفقراء”، الذين يعانون ضغوطًا اقتصادية صعبة في السنوات الأخيرة. وعلى الرغم من إيمانهم بحق الملاك في قيمة إيجارية عادلة، فإنهم لا يريدون الوقوع ضحية لجشع بعض الملاك، الذي تضخم بعد قرار المحكمة الدستورية، وهو الأمر الذي أكد عليه بيان مجلس النواب تعقيبًا على القرار.
لو نظرت للأمر، ستجد منطقًا عند كل الأطراف: المحكمة الدستورية، هدفها الأساسي تطبيق العدل بجميع صوره، والمستأجرون “الفقراء”، يريدون قيمة إيجارية، تتناسب مع دخلهم المتواضع وظروفهم الاقتصادية الصعبة، والملاك يريدون تحقيق المزيد من الأرباح، خاصة بعد اتساع شهيتهم مع قرار إنهاء الإيجارات القديمة لـ “المحال والوحدات التجارية”، وهو قرار عوضهم كثيرًا عن تمديد عقود إيجار الشقق السكنية، وثبات قيمتها الإيجارية. وأخيرًا، مجلس النواب يسعى إلى التوفيق بين مبدأ العدالة والاستقرار الاجتماعي والسياسي، لأن المزيد من الضغط على الفقراء، سيُشكل تهديدًا مباشرًا للاستقرار، الذي اكتسبه المصريون بعد ثورة 30 يونيو.
إذا كانت كل الأطراف على “شيء من الحق”، فكيف نوفق بينهم؟
يكمن الحل المثالي، من وجهة نظري، في تقسيم المستأجرين المرتبطين بالقرار إلى أربع مجموعات، بحيث تُخصص لكل مجموعة قيمة إيجارية، تتناسب مع ظروفها، كالآتي:
مجموعة (أ): تشمل المستأجرين من ذوي الدخل المنخفض في المناطق الشعبية الفقيرة، (مثل الجمالية والوايلي وباب الشعرية). يتم تحديد القيمة الإيجارية الشهرية بمبلغ 500 جنيه، وهو مبلغ يمثل 12.5% من متوسط الدخل الشهري للفقراء، البالغ 4000 جنيه. تزيد تلك القيمة الإيجارية بنسبة 3% سنويًا، وهو الرقم المعتاد للزيادة السنوية للإيجارات السكنية في دول كثيرة، كما أنه يتماشى مع مستهدف البنك المركزي المصري لنسبة التضخم.
مجموعة (ب): تشمل المستأجرين في مناطق الطبقة المتوسطة، (مثل مصر الجديدة والدقي)، الذين يسكنون في الشوارع الجانبية. يتم تحديد القيمة الإيجارية الشهرية بمبلغ 1000 جنيه، وتزيد بنسبة 3% سنويًا.
مجموعة (ج): تشمل المستأجرين في مناطق الطبقة المتوسطة، الذين يسكنون في الشوارع الرئيسية، (مثل مصر الجديدة والدقي)، يتم تحديد القيمة الإيجارية الشهرية بمبلغ 2000 جنيه، وتزيد بنسبة 3% سنويًا.
مجموعة (د): تشمل المستأجرين للوحدات السكنية التاريخية والعريقة، (أغلبها تابع لوزارة الأوقاف)، والوحدات السكنية في مناطق الطبقة ذات الدخل المرتفع. يتم تحديد القيمة الإيجارية بما يتناسب مع حجم الوحدة، على ألا يقل عن 4000 جنيه شهريًا، وتزيد بنسبة 3% سنويًا.
لنجاح تطبيق هذا الحل، يجب تدريج زيادة القيمة الإيجارية على مدار ثلاث سنوات. فمثلًا، يدفع المستأجرون في المجموعة (أ) 250 جنيهًا شهريًا مع بداية شهر يوليو 2025، ثم يصل المبلغ إلى 500 جنيه شهريًا في شهر يوليو 2026. تبدأ الزيادة السنوية 3% مع قدوم شهر يوليو 2027.
كذلك، ستلعب الجهة الأمنية دورًا مهمًا في حماية حقوق المستأجرين في تمديد عقود الإيجار بما يتناسب مع الاشتراطات القانونية. هذا الدور سيقف حاجزًا أمام جشع بعض الملاك، الذي قد يظهر مع تطبيق القرارات الجديدة.
إن تطبيق مبدأ العدالة، يجب أن يكون بجميع صوره، ومن بينها “العدالة الاجتماعية”، التي تُعد الحارس الحقيقي للفقراء والداعم الرئيسي للاستقرار السياسي والاجتماعي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.