محمد فؤاد البري يكتب | هل الدولة ملزمة بتعيين الخريجين؟

0

كانت الدولة ملزمة، واستمرت في وعودها حتى انفجرت البيروقراطية والفساد الإداري مع نهاية القرن العشرين في مصر. وفي النهاية يتولد من الاستمرار في تلك السياسة نوع جديد من البطالة، وهي البطالة المقنعة Disguised Unemployment، الحالة التي يتكدس فيها عدد كبير من العمال بشكل يفوق الحاجة الفعلية للعمل.
قال البعض إن مصر كما تعاني من إفراط السكان مع انخفاض المعيشة، تعاني من البيروقراطية مع انخفاض الكفاءة، وبعد تعيين عدد كبير بعد ثورة 2011 في الجهاز الإداري للدولة، توقع الخبراء، أن تقصم البيروقراطية يوما ظهر مصر مالم يتبادر أحد لمواجهة الموقف، حتى واجه الرئيس عبدالفتاح السيسي، الأزمة وضبط نسل البيروقراطية في مصر في مدة زمنية وجيزة بعد دخول الدولة إلي النظام الرقمي العالمي وتطبيق معايير الحوكمة في الجهاز الإداري للدولة.
لا توجد دولة في العالم الثالث، تخطى حجم سكانها 100 مليون نسمة، واستمرت في سياسة تعيين الخريجين مهما كان نوع اقتصادها، هذه قضية عالمية، ليست في مصر فقط، بل في معظم دول العالم.
في الاقتصاديات الاشتراكية، تلتزم الدولة بتعيين الخريجين في مؤسساتها، نظرا لطبيعة الاقتصاد الموجه، فكل شيء يتبع الدولة غالبا، فمعظم المؤسسات الخدمية والإنتاجية “قطاع عام”، وهذه فترة كانت مناسبة لمصر في الحقبة الناصرية ذات التوجه الاشتراكي، فكان هناك فائض كبير في موارد الدولة بعد السيطرة على أملاك الإقطاع، مع حجم سكاني بسيط لا يتجاوز 30 مليون نسمة، يسمح منطقيا بتوفير ميزانية تضمن لكل خريج وظيفة حكومية في عصر لم يكن في مصر سوى أربع جامعات فقط، لكن مع تحول مصر إلى نظام السوق تدريجيا، ودخول القطاع الخاص في جميع المجالات مع الدولة مع زيادة النمو السكاني في مصر، ليتخطى 100 مليون نسمة من هذا الرقم مليون خريج سنويا، فأي دولة في العالم، تستطيع أن توفر مليون وظيفة حكومية كل عام !! أضف أن الرقمنة والتكنولوجيا، تحارب الوظائف التقليدية في كل مكان.
فالنجاح الحقيقي في سياسة التعليم العالي في أي دولة كبيرة في حجمها السكاني، هي التوجيه المبكر والتدخل المباشر، لتوجيه الطلاب إلى التخصصات التي تؤهل يقينا إلى فرصة عمل حقيقية.
فإن كان ليس من مهام الدولة توفير وظيفة حكومية للخريج، فإن عليها أيضا توفير تعليم يتيح له فرص عمل بعد التخرج. ولكن فتح أبواب الكليات النظرية على مصرعيها أمام الطلاب، ليس حلا منصفا، وانما نهايته إحباط ويأس لأجيال متلاحقة، وعلي هذه الكليات، التي تختص دراسة العلوم الإنسانية والأدبية والاجتماعية، أن تهتم بالكيف والجودة، بدلا من الكم غير المؤهل لهذه الدراسات، والذي أثر على مستواها في الفترة الأخيرة بالسلب بعدما كانت مصر رائدة في مجالات العلوم الإنسانية على المستوى الاقليمي.
فالقطاع الخاص، أصبح يوفر أكثر من 90% من الوظائف في البلدان النامية، فالاقتصاد الذي كان معتمدا على تصدير القطن خاما في القرن التاسع عشر، وصناعة الغزل والنسيج في القرن العشرين، أصبح اقتصادا بدائيا لظهور أنواع أخرى من اقتصاديات معقدة وأكثر ربحا، وقد تكون أشياء غير ملموسة تستوعب الملايين من الخريجين كصناعة التعهيد والخدمات الرقمية، لذا تعمل الحكومة المصرية وسياسة التعليم العالي في مصر على محاولة الالتحاق بتنفيذ تلك البرامج داخل جامعاتها بالشراكة مع القطاع الخاص، حيث أنه من المستهدف الوصول بعدد الجامعات في عام 2030 إلى 132 جامعة، وذلك بإضافة عدد 40 جامعة إلى العدد الحالي بتكلفة 250 مليار جنيه، ويقدر حجم الفرص الاستثمارية المتاحة للقطاع الخاص في هذا الصدد بحوالي 150 مليار جنيه، وهو ما يسهم في تعزيز مشاركة القطاع الخاص في إتاحة الخدمات التعليمية من 25% حاليا إلى 40% على الأقل بحلول عام 2030.
وذلك لمواكبة تغيرات السوق العالمي، الذي يتطلب أعدادا كبيرة من الخريجين، ذات مستوى معين، ووفقا لبرامج خاصة، فمن الصعب أن توفرها الجامعات الحكومية في مدة وجيزة بمعدل سريع.
وهذا دور الدولة الحقيقي، وهي توفير خدمة تعليمية جيدة تؤهلهم لفرص عمل حقيقية سواء في السوق المحلي أو العالمي بينما فكرة الجامعة من أجل التوظيف لم تعد تناسب طبيعة العصر الرقمي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.