فتحي البوكاري يكتب | أدب الطفل في العصر الرقمي (1-3)

0

شهد العالم في العقود الأخيرة تحولات جذرية في أنماط التفاعل الاجتماعي والثقافي للمجتمعات والشعوب، والتواصل المستمر والفوري لأفرادها مع العالم عبر المكالمات الصوتية أو الفيديو، أو وسائل التواصل الاجتماعي، ووجدت حلول مبتكرة في شتى المجالات لتحسين جودة حياة أفضل، وزيادة الكفاءة في مختلف المجالات، كل ذلك نتيجة للتطور الهائل في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، إلى جانب تطور الحواسيب وقدراتها.
أتاح التدفق الهائل للمعلومات وسهولة الوصول إلى الكميات الكبيرة من المعارف والبيانات ابتكارات هامّة في شتّى الميادين كالتعليم، والطب، والتجارة الإلكترونية، وغيرها، كل ذلك تحقق بفضل تزاوج تقنيات المعلومات، والاتصالات، والحوسبة، التي يسمّيها الفنّيون التقنيات الرقمية (Digital Technology)، وهي مجموعة من الأدوات والأنظمة والأجهزة، والموارد التي تولّد أو تخزن أو تعالج أو تنقل البيانات باستخدام الأرقام، وتشمل هذه التقنيات كل ما يتعلق بالتكنولوجيا الحديثة المستخدمة في الحوسبة، والاتصالات، والوسائط الرقمية، كالحواسيب والهواتف الذكيّة، وتقنيات الاتصال اللاسلكي، وأجهزة المساعدات الذكيّة، والألياف الضوئيّة، وشبكات الجيل الخامس، والأقمار الصناعيّة والأنترنيت، وهي البنية التحتية العالمية التي تربط مليارات الأجهزة حول العالم وتتيح الاتصال وتبادل المعلومات والتجارة الإلكترونية والتعلم عن بعد وعمل الشبكات الاجتماعية، كما أنّ التقنيات الرقمية تضمّ إليها الحوسبة السحابيّة (Cloud Computing) وهي الأنظمة التي توفر تخزين ومعالجة البيانات على خوادم خارجية بدلاً من الأجهزة الشخصية مما يسمح بالوصول إلى الموارد الرقمية من أي مكان، وكذلك الذكاء الإصطناعي (AI) وهي مجموعة من البرمجيات والخوارزميات التي تمكّن الأجهزة والآلات من محاكاة الذكاء البشري مثل التعلم الآلي (Machine Learning) والتعرف على الصور وتوليد النصوص، وغيرها.
وتستمر هذه التقنيات في التطور بوتيرة سريعة، مع اندماج تقنيات جديدة مثل الحوسبة الكُمومِيّة (Quantum Computing) والذكاء الاصطناعي المتقدم والأنظمة الميكانيكية كالروبوتات الصناعية، والطائرات بدون طيار، والروبوتات المستخدمة في الرعاية الصحية، ومع استخدام التقنيات المالية أيضا، مثل الدفع الإلكتروني، والقروض الرقمية، والعملات المشفرة، وتقنيات البلوك تشين (Blockchain)، وتطوّر أنترنيت الأشياء (IoT) في المنازل الذكيّة والمدن الذكيّة والرعاية الصحّية والزراعة الذكية والصناعة، وهذا المفهوم، أي أنترنيت الأشياء، يشير إلى شبكة من الأجهزة المادية المترابطة التي تتواصل وتتفاعل مع بعضها البعض عبر الإنترنت أو من خلال بروتوكولات الاتصال المختلفة، وذلك بهدف تبادل المعلومات والبيانات لتحقيق وظائف معينة بشكل تلقائي وذكي. وتشمل هذه الأجهزة أدوات منزلية ذكية، وكاميرات، وساعات ذكيّة، ومستشعرات، وثلاجات ذكية، وسيارات ذكيّة، وأجهزة طبية، وآلات صناعية، وغيرها.
مكّنت هذه الثورة المستمرة والابتكارات اللا محدودة من تشكيل مستقبل البشرية، حيث تعتمد الحياة اليومية على الأنظمة الرقمية والاتصالات بشكل أكبر، يومًا بعد يوم، حتّى إنّ بعضَ الأدوات التكنولوجية والتقنيات الرقميّة قد أصبحت جزءًا مهمًا من حياة الأطفال الصغار، تمكّنوا ببراعة من استخدامها في القراءة والكتابة وأنشطة لهوهم وتجاربهم المبكرة. وفي هذا السياق، ينحصر مجال اهتمام هذه الدراسة في تقنيات وتنسيقات السرد الإلكتروني مع سياقات القصة التفاعلية.
أدب الأطفال التفاعلي بين الكتب الورقية والكتب الرقمية:
عندما ظهرت الكتب الإلكترونية لأوّل مرّة، كانت مجرّدَ صورٍ مشوّهةٍ للكتب الورقيّة الممسوحة ضوئيا، تُعرض، بتنسيق PDF، على شاشات أجهزة الحواسيب وقارئات الكتب الرقميّة، ثمّ توسع التعريف ليشمل الأشكال الإلكترونية الجديدة من المنتجات الأدبية التفاعلية المبتكرة.
قبل قرون، لم يكن هناك أدب للصغار، نظرًا للتكلفة المرتفعة لطباعة كتب الأطفال. وفي وقت لاحق، كانت فيه الحدود الفاصلة بين أدب الأطفال وأدب المراهقين غير موجودة، جاءت محاولات من بعض الكتّاب قدّموا فيها الحكايات الخياليّة والشعبيّة، وهي إلى أعمار الشبّان أقرب. ولهذا، يمكن القول إنّ أدبَ الأطفال هو نوع جديد نسبيًا من الأدب، حين ظهر إلى الوجود كانت كتب الأطفال تحمل داخلها دروسا في الأخلاق والسلوكيات التي يريد الكبار تمثّلَها في أبنائهم، نسخة مطابقة لسلوكياتهم هم وأخلاقهم. بعد ذلك، حلّت الكتب المصوّرة حيث امتزجت فيها الكلمة بالصورة في تقابل مدهش محببا للأطفال، وقد قامت دار نشر Blue Ribbon في نيويورك، في ثلاثينيات القرن العشرين، بتحريك شخصيات تلك القصص. كانت أول دار نشر تستخدم مصطلح “pop-up” لوصف الرسوم التوضيحية ثلاثية الأبعاد في الكتب المنبثقة، حيث يتفاعل القرّاء مع الأجزاء المتحركة عندما يقومون بفتح الكتاب أو قلبِ صفحاتِه، مما يجعل المَشَاهِدَ الثلاثيةَ الأبعاد جزءًا من السرد.
وتفنّن المصمّمون في هندسة الورق فعزّزوا المنتجات الأدبية للأطفال بأنواع أخرى من الكتب التفاعليّة المعقدة المصنوعة من مواد متينة وطبقات متعددة من الورق المقوى، يخاطبون بها فئات عمرية مختلفة تتراوح من الرضاعة إلى ما قبل المراهقة، ويهدفون من خلالها إلى جعل العناصر المرئية نابضة بالحياة، وعناصر عملية القراءة أكثر متعة، مع ضمان الاستخدام المتكرر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.