علاء الدين حسو يكتب | صراع الوعي

0

أمامنا لوحة للفنانة التشكيلية السورية فاتن الشب، التي يمكن تصنيفها كفنانة تشكيلية مبدعة. تخطو بخطوات واثقة نحو إضفاء بصمتها الخاصة على عالم الفن. ربما يمكن تصنيف هذه اللوحات على أنها تجريدية، لكنني أرى أنه لم يعد هناك مدرسة واحدة تسيطر على اللوحات. إنها الحياة، حيث نجد تنوع المدارس الفنية. لذا، فإن النظر إلى اللوحة فقط من خلال تصنيفها كلوحة تجريدية أو انطباعية أو سريالية أو واقعية أو كلاسيكية، لم يعد كافياً.
تظهر اللوحات تنوعاً واختلاطاً، فهذا الهجين والتضاد يشكل صراعاً يكشف لنا خلفية هذه اللوحة ومعانيها. هذه اللوحة تُشعِرنا بالبهجة والفرح، وقد توحي بأجواء رمضان السعيدة. هي لوحة إسلامية بامتياز، تعبر عن جمال الروح. قد تعبر عن شخص يشعر بالفرح بعد حزن، أو عن شخص يستمع إلى موسيقى تعيد له السعادة، لكن هذا الشعور بالفرح ليس كاملاً. الحزن لم ينته، بل توقف للحظة، وبالتالي انقلب الحزن إلى فرح. هذه هي الإحساسات التي نشعر بها في هذه اللوحة التجريدية، والتي يمكن وصفها بالتجريدية الواقعية.
عادةً، تضم اللوحات التجريدية أيقونة واحدة تدور حولها، لكننا هنا نجد عدة عناصر: الجامع، القمر، الفوانيس. هذا التركيب يبرز فكرة الإنارة، حيث يشع القمر من السماء، ويتلقف الجامع نوره وينشره عبر الشارع بواسطة المصابيح. المقارنة هنا جميلة للغاية، وهذا الانطباع يُبرز عند النظر إلى اللوحة إلى أهمية التنوير.
نجد الجامع في المربع الأكثر أهمية. هو البوصلة وهو الجسر لتلقي الانوار من السماء ويرسلها إلى فوانيس الشوارع لتنير الحارات والطرق.
نظام اللون في اللوحة موفق، فشجرة اللون على طريقة نظام مونسيل حيث التدرج في الألوان وتناغمها اعطى بعدا أخر لصراع الوعي والتنوير من خلال تدرجات الألوان، فالأشكال الهندسية التي تزين جدار كل بيت تبرز صراعات وتناقضات وتجاذبات تمنح جمالية خاصة للوحة. فكل بيت له مساحته ولا تجد تداخلا منفرا وانما تجاور ألوان ذات الطبقة، فلا نجد مثلا الأخضر في بيت يسوده المادي ولا الأحمر في بيت يسوده الأخضر بتدرجاته. والجميل هو اللون الأصفر بتدرجاته يمنح المتلقي البهجة والسعادة. اللون الأصفر هنا مفرح، وليس مرضي باهت.
بالنسبة للمنظور، تذكرنا هذه اللوحة – بطريقة مختلفة – بلوحات الانطباعيين والتعبيريين الكبار أمثال فان جوخ، إذ تجسد أسلوبه الانطباعي، خصوصاً في تذكيرنا بلوحاته الشهيرة (لوحة شرفة المقهى ليلًا) لكن المنظور هنا مختلف. إذا اغلب لوحات كوخ منظورها علوي ينظر من اعلى. في هذه اللوحة، تبدو كأنها تُصوِّر شخصاً مسترخياً، يراقب السماء. إن المنظور هنا يوفر إحساسًا بالتواضع، كما يظهر الشخص وكأنه يرفع يديه شاكراً ومناجياً.
الحركة في هذه اللوحة يمكن أن تُرى كحركة أفقية وشاقولية في نفس الوقت. إنها حركة ارتدادية، من الأسفل إلى الأعلى ومن الأعلى إلى الأسفل، مما يخلق حالة تلقي وإرسال. هذه الحركة تضفي بُعداً وجدانيًا خاصًا، فعلى الرغم من أنها ليست دائرية، فإنها تعكس تفاعلاً حيوياً ومؤثراً.
في الختام، تُعتبر هذه اللوحة عملاً فنياً يستحق الكثير من التأمل والدراسة، حيث تجسد رؤية فنية عميقة لجميع العناصر التي تتداخل فيها. هي لوحة تجريدية بعين انطباعية واحساس تعبيري.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.