د.محمد بغدادي يكتب | دع القلق

0

من منا يحيا بلا هموم، ومن منا يعيش بسلاسة وبساطة، ومن منا يُنحي المخاوف جانبًا، ومن منا يترك الأمر كليةً لله، ومن منا لديه الثقة الكاملة في ربه، هناك أفكار قاتلة ومخاوف مميتة وسلبيات تأتي من هنا وهناك، وأمراض عضوية يأتي معظمها من كثرة القلق والخوف والهموم والأحزان، فلاحظ العلماء ذلك فتحدثوا بأن 80% من مخاوف الإنسان غير موجودة بالفعل، إذن فالهواجس تقتلنا يوميا، والهموم تموج بنا في بحر الحياة الصامتة، فلقد استحوذت على أكثر من 100% من تفكيرنا، وأصبحنا نغرق في كهف الحياة المظلم.
ننام ونستيقظ على صوت القلق من غد، وغدا لا نملكه، وهو بيد خالقنا فقط، وليس بيد بشر، نذهب هنا، ونرحل هناك، ونحمل بين جنباتنا وعظامنا أحزان الماضي والحاضر والمستقبل، وكأننا سنأخذ جائزة نوبل إذا حملنا هموم الناس مع همومنا كالجبل فوق ظهورنا، ونتحرك بها في الطرقات، نحيا بحياة ظاهرها الحياة وباطنها الخوف، وأعلاها الدموع، وأسفلها الفشل، وعلى يمينها الدنيا، وعلى يسارها الضجيج.
نسعى بقلق، ونتحرك بقلق، ونتفوه بقلق، ونعيش في قلق، ونأكل بقلق، ونشرب بقلق، ونعمل بقلق، ونكتب بقلق، ونقرأ بقلق، ونتعامل بقلق، ونتحاور بقلق، ونصلي بقلق، ونتحدث مع من نحب بقلق، وحتى مع الأصدقاء والمقربين، وكأن الكون أصبح مهيأ للقلق فقط دون غيره، وكأن الخوف يركض خلفنا بكل قوة، ويلهث وراءنا، وكأن الحياة مليئة بالسلبيات فقط.
فإعادة هيكلة العقل البشري لها مفعول السحر للخروج من دائرة القلق، فلو استمر الإنسان بتفكيره القلقي، سينتهي به الحال للموت المحقق، فدائمًا ما نسمع عن موت الفجأة، فذلك نتيجة حتمية لكثرة التفكير، ودخول الإنسان في مخالب القلق واليأس والاكتئاب وسط المخاوف من مستقبل مجهول، لا يعلمه سوى الله وانهيار أحلام الماضي على عتبات الحاضر.
الإيمان هو القضية التي تنتشلك من حروب القلق وبراكين المخاوف وزلزال اليأس وانهيارات الهموم فالتعامل مع الله، هو الملاذ الآمن لنا جميعًا في ظل التعديات البشرية السلبية، وانهيار الأفكار الايجابية ذات المذاق الحلو.
وإعادة ترتيب أفكارنا في عقولنا الباطنة، سوف تٌعيدنا إلى الحياة مرة أخرى بعد سلسلة الهجمات المرتدة، التي هوت بنا إلى أعماق محيط اليأس، فأولادنا في أمس الحاجة لأسرة متماسكة نفسيًا، وأعمالنا في أمس الحاجة لمن يقوم بها، وهو خال من الهموم والأحزان، وصلواتنا في أمس الحاجة، لتكون خالية من براثن اليأس مقبلة على الله بقلب سليم تمامًا، ليس به شك واحد في المائة، وحياتنا لها أحقية الحياة، فالذي خلقها لم يخلقها عبثًا، وإنما بقدر محكوم وأوقاتنا تحتاج لإعادة جدولة، فلنحذف منها المجهول، ولنكتفي منها بالمعلوم، والجديد الذي سوف يساعدنا على مسيرة حياتنا، لتصبح حياة بدلًا من الحياة بطعم القلق، ومذاق المرار وفاكهة الهموم. قف مع نفسك واختر في أي طريق تٌريد أن تذهب، هل إلى قلق أم إلى حياة، واعلم أننا مسئولون كل على قدر مسئوليته، والتقط أنفاسك ثانية بأكسجين جديد خال من رياح الحقد، وخسوف القلوب، أو كسوف المشاعر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.