لا شك أن النشأة الأولى للأديب في طفولته تؤثر بعد ذلك في كتاباته سواء كانت قصة قصيرة أو رواية أو سيناريو، ومن أشهر المؤلفين المصريين الذين ارتبطت أعمالهم الخالدة بمكان ميلادهم يحيي حقي ونجيب محفوظ ومحمد صفاء عامر وخيري شلبي وغيرهم .
يحيي حقي والذي ولد سنة 1905 في حارة تقع خلف مقام السيدة زينب مباشرة وارتبط هذا المكان بأشهر رواياته على الاطلاق وهي ” قنديل أم هاشم “ والتي بدورها تحولت لعمل سينمائي يعبر عن الحياة في حي السيدة زينب . ومن أشهر الأدباء الذين ارتبطوا روحياً بمكان ميلاده هو نجيب محفوظ بالرغم من انتقال أسرته إلى حي العباسية في طفولته الا ان ارتبطت روحه بالمكان الذي ولد فيه فظلت ذاكرته ووجدانه متعلقة بهذا المكان وأجوائه و استعان بذاكرة الطفولة في كتابة العديد من الروايات والتي تصف تلك الأحياء الشعبية والأسر المصرية في الفترة الممتدة بين الثورتين 1919 -1952 ، نجيب محفوظ والذي ولد سنة 1911 في الجمالية بالقرب من ميدان بيت القاضي ومسجد الحسين ارتبطت معظم أعماله بالحارة فكانت هي العالم عند نجيب محفوظ ، وقد نقول أن أدب نجيب محفوظ الروائي يتبع إداريا قسم الجمالية ومن هذا المكان العتيق جاءت أهم أعماله الأدبية والتي تحولت لأعمال فنية لتعبر عن السينما الواقعية الممزوجة بالروح الشعبية في مصر، وأبرز تلك الروايات :
رواية زقاق المدق وهي تتفرع من حارة الصناديقية التجارية والتي تتفرع بدورها من شارع المعز لدين الله الفاطمي، والثلاثية والتي انقسمت لثلاث روايات : بين القصرين وقصر الشوق والسكرية وهم أحياء ممتدة في شارع المعز من بيت القاضي لحي الغورية ، وهناك رواية خان الخليلي والتي تقع بالقرب من مقهي الفيشاوي المقهى التاريخي لنجيب محفوظ ورواية قلب الليل والتي اتخذت من خان جعفر في الحسين بداية لكتابة أحداثها المثيرة ..
وعي نطاق أوسع وأدق قد نقول ان معظم أدب نجيب محفوظ الروائي والذي حدد وشكل شخصيته الأدبية ممتد بين بابين القاهرة التاريخية ، من بوابة الفتوح المدخل الشمالي للقاهرة التاريخية حتى باب زويلة المدخل الجنوبي للقاهرة التاريخية ..
هل نقول ان نجيب محفوظ هو ذاكرة الانسان الحافظة لمصر القديمة هو مؤرخ الحارة المصرية في القرن العشرين ؟! روايات نجيب محفوظ كانت تعبر عن الذي يعجز التاريخ التعبير عنه ، فالمؤرخ مقيد والأديب حر ..نجيب محفوظ دخل بالحارة الشعبية إلى الأدب العالمي من أوسع أبوابه او نقول ان الحارة المصرية وبيئة نجيب محفوظ قادته للوصول الي العالمية لأنه كان ابنا مخلصا لبيئته ..فأخلصت له بيئته ومفهوم الادب العالمي لا يعني ان تتحدث عن مناطق عالمية واشخاص من عالم آخر وانما هو الأدب الذي يعبر عن روح أمة ما في أي مكان على الأرض تعبيرا صادقا عنها ..
و عندما سئل نجيب محفوظ لماذا لا تكتب عن الريف؟ قال كيف أكتب عن الريف وخيري شلبي موجود، وهذا الأخير نشأ في قرية شباس عمير التابعة لمركز قلين في مديرية كفر الشيخ سنة 1938وتأثر بقريته ومنها كتب أشهر رواياته ” الوتد ” وأصبح شلبي وتد الرواية المصرية والتي تحولت لعمل درامي خالد.
بينما كاتب الصعيد بامتياز هو ابن الصعيد محمد صفاء عامر والذي ولد بقنا سنة 1941 واستقال من سلك القضاء وتفرغ للكتابة ليخرج لنا سر بيئته للجمهور بمنتهي الصدق والابداع والبراعة والجودة وهو اول من دخل مصحح لهجة والذي ظهر في أشهر عمل درامي عن الصعيد وهو ذئاب الجبل ، الصعيد له روح لا يعرف سرها سوى ناسه وهو يكتب السيناريو ” الحوار ” بلسان قومه لكن أحيانا النطق يختلف عندما يكون الفنان قاهري أو وجه بحري فجاءت فكرة مصحح لهجة وصارت سنة للأعمال الصعيدية بعد ذلك ومن ابرز اعماله أيضا الضوء الشارد وحدائق الشيطان