لا شك أن المحليات، تمثل ركيزة أساسية، لتحقيق التنمية المستدامة في مصر، حيث تعد الوسيلة الأقرب للمواطنين، لتلبية احتياجاتهم اليومية، من تحسين البنية التحتية، وتوفير الخدمات الأساسية، إلى تعزيز مشاركة المجتمع في صنع القرار. ورغم هذه الأهمية الكبيرة، فإن غياب المجالس المحلية المنتخبة منذ سنوات طويلة، قد تسبب في تهميش دور المواطن في الإدارة المحلية، ما أثر سلبًا على جودة الخدمات وفاعلية الرقابة الشعبية. وبالتالي، يصبح من الضروري الإسراع في إجراء انتخابات المحليات، والتي طال انتظارها بسبب تأجيل إصدار قوانين الإدارة المحلية أكثر من مرة.
ومع اقتراب موعد انتخابات مجلس الشيوخ، تظهر فكرة إجراء انتخابات المحليات بالتوازي معها كحل مبتكر له فوائد عديدة. إن الجمع بين انتخابات الشيوخ والمحليات في وقت واحد، يوفر فرصة لتقليل النفقات، وزيادة فاعلية العملية الانتخابية، بالإضافة إلى تعزيز الوعي بأهمية دور المحليات في تحسين الحياة اليومية للمواطنين، كما أن هذا التزامن، يمثل تأكيدًا على التزام الدولة بتعزيز الديمقراطية والشراكة الشعبية في عملية اتخاذ القرار.
المحليات هي البنية الأساسية، التي تربط المواطن بالدولة، فهي تسهم في تحسين نوعية الحياة من خلال متابعة تنفيذ المشروعات، وتقديم الخدمات على أرض الواقع. وجود مجالس محلية منتخبة، يمنح المواطنين فرصة التأثير المباشر في قرارات تتعلق بحياتهم اليومية، ما يعزز من المشاركة الشعبية في عملية صنع القرار. وعلاوة على ذلك، فهي تتيح تطبيق مبدأ اللامركزية الحقيقية، ما يمكن المدن والمحافظات من إدارة شئونها الخاصة بشكل أكثر مرونة وفاعلية.
غياب المجالس المحلية لفترة طويلة، أدى إلى ضعف الرقابة على أداء الحكومة المحلية، ما أثر على كفاءة الخدمات المقدمة للمواطنين. من هنا تبرز الحاجة الملحة لإجراء انتخابات المحليات، وهو ما يتطلب الإسراع في إصدار قوانين الإدارة المحلية، التي طال انتظارها، والتي باتت ضرورية، لتفعيل هذا الدور المهم.
إن إجراء انتخابات المحليات بالتوازي مع انتخابات مجلس الشيوخ، يحمل العديد من الفوائد العملية والسياسية:
ترشيد النفقات: إن تنظيم عمليتي الانتخابات في وقت واحد، سيتيح للدولة تقليل النفقات المالية والإدارية، التي تُصرف على تنظيم الانتخابات، من تجهيز اللجان الانتخابية إلى تأمين العملية الانتخابية.
هذا التوفير، يمكن إعادة توجيهه لدعم مشروعات التنمية، وتحسين الخدمات.
تعزيز المشاركة الشعبية: الجمع بين انتخابات مجلس الشيوخ، التي تركز على القضايا الوطنية، وانتخابات المحليات، التي تمس الحياة اليومية للمواطنين، من شأنه أن يشجع المواطنين على المشاركة في كلا الاستحقاقين. هذا التزامن، سيساعد في تحفيز الوعي بأهمية انتخابات المحليات، والتي غالبًا ما تٌعتبر أقل أهمية رغم تأثيرها المباشر على حياة المواطنين.
تحسين الكفاءة التنظيمية: يمكن للجهات المعنية، تحسين كفاءة عملية تنظيم الانتخابات إذا تم التركيز على استحقاقين في وقت واحد. بدلا من توزيع الجهود على عدة مراحل انتخابية، سيعزز التزامن من التنسيق بين المؤسسات الحكومية، ما يسهم في تسريع العملية وتقليل التعقيدات اللوجستية.
رغم الفوائد الواضحة لتزامن الانتخابات، فإن هناك تحديات، قد تواجه هذه الخطوة، خاصة فيما يتعلق بإصدار قوانين الإدارة المحلية، التي طال انتظارها. هذه القوانين، تشكل أساسًا لتنظيم الانتخابات المحلية وضمان نزاهتها. وفي ظل التأجيلات المتكررة لإصدار هذه القوانين، فإن وجود إرادة سياسية قوية، يُعد أمرًا حاسمًا، لتجاوز هذه العقبة.
من الضروري أيضًا تكثيف الجهود التوعوية حول أهمية انتخابات المحليات، لا سيما أن المواطن، سيشعر بأهمية هذا الاستحقاق أكثر عندما يكون قادرًا على التأثير مباشرة في إدارة شئونه المحلية. زيادة الوعي بأهمية المحليات، ستساعد في تعزيز المشاركة الشعبية، وتحقيق أكبر قدر من الفاعلية في العملية الانتخابية.
إجراء انتخابات المحليات بالتزامن مع مجلس الشيوخ ليس مجرد خطوة تنظيمية، بل هو مؤشر على التزام الدولة بالإصلاح السياسي الشامل. إنه يمثل فرصة لبناء ديمقراطية حقيقية، تشرك المواطن في صنع القرارات، التي تؤثر في حياته اليومية. المحليات هي جزء لا يتجزأ من أي استراتيجية للنهوض بالدولة، فهي بمثابة نقطة الانطلاق نحو تحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية.
تزامن الانتخابات المحلية مع انتخابات مجلس الشيوخ، يمثل خطوة نحو استعادة دور المحليات وتعزيز الشفافية والمساءلة على المستوى المحلي. بتفعيل هذا الدور، ستُبنى مصر الحديثة، التي تستند إلى الديمقراطية والمشاركة الشعبية الفاعلة.
في النهاية، يجب أن نعتبر هذا التزامن فرصة لا تُقدّر بثمن، لأنه ليس فقط وسيلة، لترشيد النفقات، وتحسين العملية الانتخابية، بل هو أيضًا بداية جديدة للعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، التي تحتاجها مصر.
