أحمد فاروق عباس يكتب | التلاعب في الانتخابات الأمريكية (2-3)

0

لعدة أيام كانت خشية جون كينيدي أن يطعن نيكسون في النتائج ، ولكن نيكسون لم يفعل ، فاليد العليا التي جاءت بكل من كينيدي ونيكسون للانتخابات لم تكن تريد تشكيكا او ظلالا علي الانتخابات التي تتبجح حول العالم بأنها مثالا علي الديموقراطية ، والتي تطلب من الجميع تقليدها ، وقال نيكسون فيما بعد ” لم يكن يستطيع أن يعرض البلد لمثل هذا الوضع ” برغم أنه كان يحس بالمرارة الشديدة ، وقال له أيزنهاور ناصحا ” أن ذلك سيمزق البلاد ” وعلي أية حال فقد كوفئ نيكسون علي صمته أن رشحه الحزب الجمهوري مرة ثانية في انتخابات ١٩٦٨ وسمح له بالفوز بالانتخابات هذه المرة ، قبل أن يطرد منها بفضيحة ووترجيت في منتصف فترة رئاسته الثانية ، وهو حدث مازال غامضة اسبابه الحقيقية حتي الان ، فقد سبق أن تجسس الاخوة كينيدي والحزب الديموقراطي علي نيكسون وحزبه الجمهوري في انتخابات ١٩٦٠ وبصورة أكبر عند ترشح نيكسون كحاكم لكاليفورنيا سنة ١٩٦٢ ، فلماذا تغاضت المؤسسة الحاكمة عما فعله كينيدي والحزب الديموقراطي أوائل الستينات وتم اصطياد نيكسون ومحاكمته وطرده من منصبه قرب منتصف السبعينات ؟!

وكانت المعركة الانتخابية عام ١٩٦٤ اكثر الانتخابات بذاءة حتي ذلك الوقت، وفقد الشعب الأمريكي وقتها ثقته في الطبقة السياسية وفي النظام الحزبي ، فقد ظهرت فيها مجموعة من الفضائح، ووصف جولدووتر فيها جونسون بأنه لص، غشاش، مزيف، مزور، متستر علي الفضائح، مثير للشغب، ممالئ للشيوعيين، لن يطول العمر به أكثر من شهور …

فيما وصف جونسون فيها جولدووتر بأنه : متعصب، عنصري، متطرف، مجنون، جرب ( جربان ) مغامر، ديكتاتور، محام جاهل، فاشل في دراسته، فاشستي النزعة، معرض للإصابة بالانهيار العصبي، وجوده خطر على البلاد …. الخ.

وجود الانتخابات الرئاسية الأمريكية مشحون دائما بالمؤامرات واساليب الخداع ، وعادة ما يستأجر كلا المرشحين الجواسيس لمعرفة أسرار المعسكر الأخر، ففي انتخابات ١٩٦٤ علي سبيل المثال أستأجر الحزب الجمهوري جاسوسا ــ اسمه لويس فلاكس ــ ودفع له مبلغا لكي يتسلل الي داخل اجتماعات الحزب الديموقراطي وينقل خططهم واسرار الحملة الانتخابية الي الجمهوريين، الا ان الجاسوس كان من الذكاء ان ذهب الي مقر الحزب الديموقراطي وأخبرهم بالقصة، وسمح له الديموقراطيون أن يعمل جاسوسا مزدوجا، فحضر اجتماعات الحزب الديموقراطي وزودوه بأخبار مضللة قام بنقلها الي الحزب الجمهوري.. وقبض أموالا من الحزبين !!

وبعد انكشاف القصة افاضت الصحافة الامريكية لأسابيع طويلة في تلك القصة المسلية وطرائفها..

والطريف ان رافق قصة الجاسوس المزدوج قصة اخري لا تقل طرافة، وهي القبض علي مساعد الرئيس جونسون في حمام جينكينز جمعية الشبان المسيحيين في نيويورك في صحبة رجل يعمل بوابا وعمره ٦١ عاما وهو يمارسان الرذيلة ( كان جينكينز قد ضبط في نفس المكان قبلها بست سنوات ــ سنة ١٩٥٩ ــ وهو يمارس نفس الشيء، ومن ثم اصبحت تهمة الشذوذ الجنسي ثابتة عليه) ..

وكما في حادثة التجسس افاضت الصحافة الامريكية في القصة انهارا من الكلام والبحث والتحليل !!

وفي مثل تلك الاجواء غالبا ما تتواري القضايا الجدية، وتصبح ” المعركة ” الانتخابية فارغة من أي مضمون حقيقي، ويصبح الاهتمام كله منصبا علي الامور الشخصية للمرشحين وطواقمهم المساعدة ، وماذا قال أو فعل كل منهما في الاخر ، وعن تدبير المؤامرات، وتنظيم الفخاخ ، واستئجار الجواسيس …

وكان لريتشارد نيكسون نصيبه الكبير من أعمال التلاعب والمنافسة غير الشريفة في الانتخابات ، وقد دفعه الي طريق السياسة مدير أحد فروع بنك أوف امريكا وكان صديقا له وتكلم معه عن امكانية ترشحه عن الحزب الجمهوري في انتخابات الكونجرس ، وفاز بمقعده في الكونجرس عام ١٩٤٦ عن طريق اتهام منافسه جيري فورهيس – وهو رجل ثري درس في جامعة ييل وظل محتفظا بمقعده علي مدي خمسة انتخابات – بأنه شيوعي !!

وبرغم ان فورهيس كان معارضا بقوة للشيوعية وكان مؤيدا للنيوديل وهو البرنامج الذي وضعه الرئيس روزفلت لحل الازمة الاقتصادية في الثلاثينات الا ان الحملة الاعلانية الجارحة والدعاية السوداء لنيكسون صورت منافسه كواحد من الشيوعيين المنفلتين من عقالهم ، وبأن الانتخابات بين بديلين أمريكي وشيوعي !!

وفيما بعد وفي مجلس مع اصدقاءه قال نيكسون ” كنت أعرف بالطبع ان فورهيس لم يكن شيوعيا ، وأعتقد انه لا يوجد رجل بمثاليات أعلي منه ولا دوافع ارقي ، ولكن .. كان عليَّ ان أفوز، وهذا ما لا تفهمونه ، إن الشيء المهم هو الفوز ” ، وكانت تلك اول لمحة عن أسلوب نيكسون السياسي ونزعته النفعية وسعيه الي جني المغانم دون أي اعتبار للأخلاق وشرف الخصومة ..

وكانت الهدايا الانتخابية أيضا حاضرة في التجربة السياسية الامريكية ، فقد كانت القوي الرأسمالية التي تقف وراء نيكسون قد قدمت سلعا عينية بأسعار مخفضة – اجهزة كهربائية منزلية – لمن يسعده حظه بمكالمة تليفونية من مقر حملة نيكسون او من يزور مقر الحزب الجمهوري في الولاية ويستمع الي برنامج نيكسون ، وكذلك الوعد باستمرار تلك التخفيضات الكبيرة في حالة فوز نيكسون ، وكانت الحرب العالمية الثانية بالكاد انتهت وتركت اثارها علي الاقتصاد الامريكي ، وتحويل جزء كبير من طاقاته لإنتاج سلع حربية وليس سلع مدنية استهلاكية ..

وقدمت المصارف إنذارات الي رجال الأعمال بأنهم اذا ساعدوا فورهيس فسوف يتم قطع الاعتمادات المفتوحة لهم، وطلب أحد المصارف صراحة من موظفيه التصويت لنيكسون وعدم التصويت لفورهيس ..

وفيما بعد كتب فورهيس معلقا علي هزيمته ” كانت لدي مادة غزيرة ووثائق توضح كيف كانت حملة نيكسون شيئا خلقته المصالح المالية الشرقية الكبرى .. بنك أوف أمريكا ، المؤسسات الخاصة الكبيرة ، كبريات شركات النفط ، وقد كانت كلها مصممة علي هزيمتي”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.