علي سيف الرعيني يكتب | إشارة أدبية

0

يعبر الشاعر أحمد شوقي عن رؤيته نحو الشعر قائلا “لا يزال الشعر عاطلا حتى تزينه الحكمة”، فالشعر بلا حكمة يخلو من الحليّ والزينة، وكأنه بذلك يؤكد انبعاثه من العقل معبرا عنه بالحكمة، ويكمل فيقول “ولا تزال الحكمة شاردة حتى يؤويها بيت من الشعر”، أي أن الحكمة بالشعر تزدان وتنتظم، وهو موئل مقامها وقالبها البديع. وأحمد شوقي في قوله هذا يخص أشعار الحكمة وما يقرب منها، ويغفل عن غيرها من أغراض الشعر الرئيسة، فليس كل الشعر حكمة، ولا يجعل ذلك منه عاطلا، فكم قرأنا غزلا لمجنون ليلى وجميل بثينة فابتهجنا بعيدا عن الحكمة في مسائل القلوب والهوى، وكم سمعنا من مدائح أثارت إعجابنا ومراثي بعثت أشجاننا، وكانت بعيدة كل البعد عن التعقل والحكمة. لكن شوقي نفسه يقول في موضع آخر من أشعاره:

والشِّعرُ إن لم يكن ذكرى وعاطفة

أو حكمة فهو تقطيعُ أوزانِ

إذن يقرّ أن الشعر قد يكون حديث قلب وبوح ذكرى، وقد يكون حديث عقل ومحاكمة فكرة، وما سوى ذلك فهو محض نظم فحسب، أي محض قوالب لفظية لا أصل ولا أثر لها في نفس الشاعر وفكره وعاطفته ووجدانه.

أما شاعر الثورة أبو القاسم الشابّي فيقول:

يا شعرُ أنت فمُ الشُّعورِ

وصرخةُ الرُّوحِ الكئيبْ

ويؤيده شاعر الياسمين نزار قباني فيما يذهب إليه، فالشعور وقود الشعر، وكلما صرخ الشعور وضرب في أعماق النفس قويت مَلكة الشاعر، فكيف إذا ما كان الشعور مدفوعا ببركان من غضب، فقد جاء في شعر نزار قوله:

الشِّعرُ ليس حمامات نُطيِّرُها

فوقَ السَّماءِ ولا نايًا وريحَ صبا

لكنَّهُ غضبٌ طالت أظافرُهُ

ما أجبنَ الشِّعر إن لم يركبِ الغضبا

إن الشّعر لبوس المشاعر ونتاج تفاعلها في نفوس الشعراء عظيمة كانت أو مرهفة، قوية صارخة كانت أو هادئة خافتة، طيبة دافئة كانت أو ثائرة هائجة مائجة.

وما بين العقل والعاطفة يمكننا القول إن الشعر لدى مختلف الأمم يعدّ فنا عاطفيا قائما على الخيال والإبداع والإيجاز، يخاطب النفس ويحمل تجاربها ويجعل منها معزوفة من ألحان ساحرة تحفز مشاعر المتلقين أو تحرك أشجانهم، فتصل إلى أفئدتهم فتعيها وتلتذ بها معنى وحسا. في حين يعد النثر عامة حاملا للتجارب الإنسانية بوجهها العقلي الحقيقي مهما ازدان بجمال اللغة والتعابير!!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.