ابراهيم الشهابي يكتب | يمين الاساطير في إسرائيل وأوهام المشروعات الأقليمية

0

يشن الاعلام الاسرائيلي حمله ممنهجه متهما فيها مصر بتحصين سيناء!! ، ويضع في مرماه استهداف الجيش المصري .. ويتساءل باستنكار لماذا تسعى مصر الي تسليح قواتها المسلحة .. تلك الحملة ليست وليدة اللحظة، وإنما بدأت فعلياً بعد أن أعلنت مصر موقفها السياسي برفض تهجير الشعب الفلسطيني من غزة الى الأراضي المصرية في سيناء وأعلان القيادة السياسية في مصر رفض تصفية القضية الفلسطينية، ثم عززت مصر قرارها السياسي بإتخاذ تدابير استراتيجية وعسكرية لتحقيق هذا الرفض على أرض الواقع.
إذ ان تصورات اليمين الإسرائيلي بشكل عام وبالأخص التيار الديني، كانت تخطط للبدء في عمليات التهجير للفلسطينين مع انطلاق حالة الثورات الملونة في المنطقة العربية فى 2011، تلك العملية بدأت بتسريع عمليات الاستطان في الضفة وكانت تسعى الى الانتقال الى غزة، ولا شك أن مسار الحكومات الإسرائيلية اليمينية العلمانية المتعاقبة منذ ما يقرب من 20 عاما قام على شن حرب مستمرة عبر ميليشيات المستوطنين على السلطة الفلسطينية في كل انحاء الضفة، فيما يمكن القول أنها حرب طويلة النفس على ما تبقى من مشروع الدولة الفلسطينية، وعقب ذلك ستتفرغ إسرائيل الى قطاع غزة وفق تصور واضح تحدثت فيه إسرائيل عبر منظريها ومفكريها الاستراتيجيين حول مشروعات توسيع قطاع غزة، تمهيداً لنقلهم الى الاراضى المصرية في سيناء، وفق ما عُرف وقتها بمشروع جيورا أيلاند.
لم يكن الموضوع وليد اللحظة بعد طوفان الأقصى، أو أنها فكرة وخطة مؤقته حتى تنتهي العمليات العسكرية في قطاع غزة، ثم يعود الفلسطينيون الى أراضيهم المحتله، الموضوع كان انتهاز إسرائيليا للفرصة لا أكثر بعدها لن يتم السماح لعودة الفلسطينيين الى أراضيهم، وبذلك تكون إسرائيل قد مزقت اتفاق كامب ديفيد من الأساس، ودمرت عملية السلام، لكن ما الجديد الأن على الساحة الجيوسياسية بعد المتغيرات الجارية عسكرياً وأمنياً في منطقة الشرق الأوسط .
الجديد أن نظرية الأمن الإسرائيلي قد تغيرت شكليا، لتتضمن فكرة الهجوم الاستباقي ويبدو أن شهية يمين الاساطير التلمودية قد انفتحت على التوسع في الأراضي العربية لتحقيق عملية التهجير بالعنف، بعد أن استطاعت إسرائيل استغلال ما يجري في سوريا ودمرت مقدرات الجيش السوري لتبدأ التركيز الأن على سيناء ومصر والجيش المصري تحديداً .
إن يمين الاساطير التلمودية يقود مجتمعه الهش وجيشه المنهك الي مغامرات جيواستراتيجية عمياء تعززها ميليشيات المستوطنين من داخل إسرائيل وصولا الى خارجها، ولا أدل على ذلك من زرع إسرائيل لتلك الميليشيات في مناطق القرى السورية التي يتم تهجيرها الان في جنوب سوريا المحتل، مما يعني أن ما احتلته إسرائيل في سوريا هو وضع دائم لن يتغير، لكن هناك شيئ آخر مهم وهو أن حجم التوسع أكبر من قدرة الجيش الإسرائيلي على حمايته بصفة مستمرة وهنا يأتي دور الميليشيات شبه العسكرية من مخابيل الاستيطان الإسرائيلي، وبالمناسبة هم أيضاً من كانوا يسكنون مستوطنات غلاف غزة التي تم اخلائها بعد 7 أكتوبر 2023.
مشكلة اليمين الإسرائيلي أنه كذب ثم تمادى في كذبته الى أن صدقها، وتخيل ان النجاح النفسي والاثر الاعلامي الذي حققته عملياتهم الهوليودية عبر الضربات الجوية في لبنان وسوريا قد جعلتهم يتصورون انهم قادرون على تحقيق نواياهم التوسعية لتحقيق اكذوبة اسرائيل الكبرى من النيل للفرات.
وأن سعيهم المحموم لاستفزاز مصر وجيشها، أمامه عائق يتلخص في ان الجيش المصري جيش منضبط وواعي ولديه من المهام الكبرى لحفظ الامن الاقليمي، ولدينا من التحديات في نطاق الامن القومي المصري وفي كافة الاتجاهات الاستراتيجية ما هو اهم بالنسبة للسلام والامن الدولي من مقاس وحسابات الكيان الاسرائيلي ونوايا اليمين المتطرف فيها، والتي ما زالت تتصور ان لديها الحق او القدرة لتتحكم في توازنات القوة في منطقة الشرق الأوسط، والحقيقة أن هذه المنطقة وهي في اضعف لحظاتها اقوى وأكبر منهم وسيغرقون فيها، ولن يعينهم فيها إلا ميليشات الإرهاب واعلام الارهاب الذى يستهدف الرأي العام العربي والمصري بإستمرار.
ان مصر حافظت على السلام وهى دولة رشيدة وطرف فعال في النظام الدولي، وستحقق مهامها في حفظ السلام والاستقرار في النظام العالمي، وهي مهمة تتطلب رفع كفاء القوات المسلحة المصرية وتنويع مصادر السلاح، وليست رهنا بإرادة تلك الجماعات اليمينة الموتوره الفاقدة للتركيز والتي تعاني من حالة جنون العظمة الغير مبرر.
قلت في مقال سابق ان اسرائيل ليست طرفا فعالا في عملية السلام في الشرق الاوسط، واضيف عليه الأن ان يمينها المتطرف هو الداعم الرئيسي للجماعات الارهابية ، لأن تلك الجماعات هي وسيلتها الفعالة في تدمير سيادة الدول واخلاء الأجواء للجيش الاسرائيلين وميليشيات المستوطنين اليمينية للتحرك بحرية في الأراضي العربية.
وإذا كان المبرر السياسي للهجوم الإعلامى الإسرائيلي على مصر وجيشها هو الألتزام باتفاق كامب ديفيد، فهنا يتجدد السؤال هل يعتبر التهجير القسري للفلسطينين الى سيناء من ضمن بنود الاتفاقية ؟!!، ثم يأتي تساؤل آخر عن مصير اتفاق الهدنة بين اسرائيل وسوريا، وهل احترمت اسرائيل تعهداتها؟!!، وهل يمكن ان تختلق اسرائيل اي مبررات لتبرير اي تعدى او خرق لاتفاقات ابرمتها .
ان الارهاب قضية محورية وتواجد مصر في نطاق اراضيها امر حاسم وضروري لحماية السلام، واذا كانت اسرائيل تقول انه لا دولة فلسطينية مع سعيها لتهجير الشعب الفلسطيني الي سيناء، وقد تحدث في ذلك مسؤوليها الرسميين، فانها هي من تفكك التزاماتها تجاه السلام واتفاق كامب ديفيد.
ان مصر بلد يحترم التزامته وتعهداته الدولية ولديه مهام كبرى في تحقيق الامن والسلم الدولي، وتتخذ من التدابير الامنيه والجيواستراتيجية ما يحقق الامن في منطقة الشرق الاوسط، ويحفظ امن مصر القومي ويعزز سيادتها الوطنية التى ترتكن على ارادة شعبيه اظهرت نفسها خلال كافة الاستحقاقات السياسية والدستورية واخرها الانتخابات الرئاسية ٢٠٢٤.
ان القيادة السياسية التي تلقت رسالة الشعب المصري عبر صناديق الانتخابات، والتي لخصها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي في اول خطاباته، ان تصويت المصريين بكثافة في صناديق الانتخابات لم يكن انتخابا للرئيس فقط وانما تأكيدا على وقوف المصريين خلف القرار الوطني المصري بمنع اي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية، ورفض التهجير لسيناء، واعتقد أن إسرائيل خانها تقديرها وتوقعاتها بأن الازمة الاقتصادية في مصر قد تؤدي الى ازمة سياسية داخلية تستغلها لتمرير مخطط التهجير .
ان على اسرائيل ان تدرك ان اي مشروع في الشرق الأوسط اكبر من قدراتها بمفهوم القوة الشاملة، وان سعيها المحموم لتحقيق حالة التفكيك في المنطقة ستؤدي الي تفككها، فالفوضي عندما تجرى ستكون اسرائيل داخلها وفي مركزها ايضا .
كما يجب ان يتوقف اليمين الاسرائيلي عن حملات الاستفزاز الذي تشوبه عنجهية جوفاء، فليس لدينا الوقت للمراهقات السياسية لتيارات غافلة وغير مدركة لمأزقها الاستراتيجي العميق، واقول دوما ان مصر ترى ان السلام لا تصنعه حالة الاستنزاف لمخزونات السلاح، وانما تصنعه حالة سلام حقيقي قائم على السلام مع الشعب العربي في لبنان وسوريا والانسحاب من احتلاله للأراضي العربية، وفوق كل ذلك اعطاء الشعب الفلسطيني الحق في الاستقلال عن الاحتلال والعيش في سلام في اطار دولته الوطنية كامله السيادة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.