صبري فوزي أبوحسين يكتب | تعليم اللغة العربية ضرورة (١ – ٢)

0

نعمة البيان من النعم التي امتن الله –تعالى- بها على الإنسان؛ ففي مطلع سورة الرحمن يقول الله تعالى:(الرحمن. علم القرآن. خلق الإنسان. علمه البيان)، حيث الربط الدال المعجز بين القرآن والإنسان والبيان، ومن ثم كان التذكير الإلهي دائمًا في القرآن الكريم بالربط بين القرآن واللسان العربي المبين، فقال الله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ( [يوسف: 2] وقال: (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا) [طه: 113]، وقال: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِين * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) [الشعراء: 193-195]، وقال: (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [فصلت: 3]، وقال: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الزخرف: 3]… فالعقل والعلم والفقه والبيان والإبانة لا تكون إلا بالقرآن واللغة العربية. قال الشيخ سيد طنطاوي(ت2010م) :”وقدم تعليم القرآن على خلق الإنسان وتعليمه البيان؛ للإِشارة إلى أنه أفضل النعم، وأنه يبين الغاية من خلق الإنسان، والمراد من تعليمه البيان: تمكينه من التعبير عما في نفسه وفهم بيان غيره، وهو الذي يدور عليه تعليم القرآن”. وقد قدم الله -عز وجل- ذكر البيان على جميع ما توحد بخلقه، وتفرد بإنشائه، من شمس، وقمر، ونجم، وشجر، وغير ذَلِكَ من الخلائق المحْكمة للدلالة على عظمة نعمة البيان ووسيلتها اللغة العربية في المقام الول.
وقال الإمام الرازي(ت606هـ) :” وَلَمْ يَقُلْ: (وَعَلَّمَهُ الْبَيَانَ)؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَطَفَهُ عَلَيْهِ لَكَانَ مُغَايِرًا لَهُ، أَمَّا إِذَا تَرَكَ الْحَرْفَ الْعَاطِفَ صَارَ قَوْلُهُ: (عَلَّمَهُ الْبَيانَ) كَالتَّفْسِيرِ لِقَوْلِهِ: (خَلَقَ الْإِنْسانَ )؛ كَأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ خَالِقًا لِلْإِنْسَانِ إِذَا عَلَّمَهُ الْبَيَانَ، وَذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى الْكَلَامِ الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ مَاهِيَّةَ الْإِنْسَانِ هِيَ الْحَيَوَانُ النَّاطِقُ. وَثَانِيهَا: اتِّفَاقُ الْعُقَلَاءِ عَلَى تَعْظِيمِ أَمْرِ اللِّسَانِ، قَالَ زُهَيْرٌ بن أبي سلمى[شاعر جاهلي]:
لِسَانُ الْفَتَى نَصِفٌ وَنِصْفٌ فُؤَادُهُ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا صُورَةُ اللَّحْمِ وَالدَّمِ
وَقَالَ عَلِيٌّ-رضي الله عنه: “مَا الْإِنْسَانُ لَوْلَا اللِّسَانُ إِلَّا بَهِيمَةٌ مُهْمَلَةٌ أَوْ صُورَةٌ مُمَثَّلَةٌ”. وَالْمَعْنَى أَنَّا لَوْ أَزَلْنَا الْإِدْرَاكَ الذِّهْنِيَّ وَالنُّطْقَ اللِّسَانِيَّ لَمْ يَبْقَ مِنَ الْإِنْسَانِ إِلَّا الْقَدْرُ الْحَاصِلُ فِي الْبَهَائِمِ، وَقَالُوا: الْمَرْءُ بِأَصْغَرَيْهِ قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ. وَقَالَ الرسول -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْمَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ».
فلا ريب في أن لغة الإنسان هي هويته وأصله، وهي التي تربطه بأهله ووطنه ودينه، وهي مصدر من مصادر قوة الوطن والأمة، وهي أداة التفكير والتعليم الأولى؛ ولا شك في أن التعلم باللغة الوطنية الأم أيسر وأتقن وأدق، ومن ثم كانت اللغة سبب بقاء ووسيلة حياة، إذا ضاعت ضاع التاريخ وضاع التراث، وضاعت الحضارة، وضاع العلم!
ولكننا في هذا العصر نجد أجيالاً مفتونة باللغات الأجنبية، ترى فيها العز والشرف والغنى، ويشيع بينها الفتنة بكل ما هو أجنبي وافد، والنفور من كل ما هو عربي أصيل، وفي ذلك مخاطر جمة، ومتنوعة على جميع الأصعدة، حيث تضيع هويتهم، ويضيع انتماؤهم إلى دينهم وإلى وطنهم وأمتهم! كما نجد بعضنا يفتن باللهجات العامية ويتعصب لها، فيلتزم بها في المسلسلات والأفلام والمسرحيات والأغاني، ويحرص عليها في كل ملتقى وكل اجتماع، بل صارت لسان بعض الدعاة والعلماء، والمعلمين والمعلمات في المدارس والمعاهد والجامعات، حتى سمعنا علم النحو يشرح، وتغنى قواعده باللغة العامية!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.