محمد عبد المنعم يكتب | اللغة العربية وأثرها على الهوية

0

قد يظن البعض أن الهوية مجرد شعارات، أو عبارات تُردد، لكن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير. الهوية هي عقيدة تعيش في نفوس الأفراد، تنتقل من جيل إلى جيل، تُغرس بحب في القلوب، كل جيل يُعلِّم الجيل التالي، حب هذا الوطن وتقديره.
لكن، ربما نتساءل ما هو الرابط بين اللغة العربية “لغة القرآن الكريم” وبين الهوية؟
وأقول، إن العلاقة بين اللغة العربية والهوية، علاقة وطيدة، لا يمكن أن تنفصم عنها. فاللغة هي الوعاء، الذي يحمل ثقافة الأمة، تاريخها، وعقيدتها. من خلالها تنقل القيم، وتُحفظ العادات، ويُصاغ الفكر. إنها ليست مجرد أداة للتواصل، بل هي الجسر، الذي يربط الماضي بالحاضر، ويُبقي على جذور الأمة متصلة مهما تغيرت الظروف والأزمان.
اللغة العربية، ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي لغة القرآن الكريم، الذي يعبِّر عن هويتنا الدينية والثقافية. فحين نحافظ عليها، فإننا نحافظ على عقيدتنا، وتاريخنا. أما إذا أهملناها، فإننا نفتح الباب واسعًا أمام الغزو الثقافي، والذوبان في ثقافات دخيلة.
ونلاحظ أن كتاب الله المعجز، هو خير دليل على مكانة اللغة العربية. فقد تحدى الله به أفصح الأمم، وقال لهم: “فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ”، فلم يستطيعوا. ثم قال: “فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ”، فعجزوا. وأخيرًا قال: “فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ”، فاستحال عليهم ذلك.
ليس هذا التحدي فحسب، بل نادى الله عليهم بالعجز إلى يوم الدين، فقال: “قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا”.
لقد أرسل الله كل نبي بمعجزة، تتناسب مع تميز قومه. فجاء موسى عليه السلام إلى قوم اشتهروا بالسحر، فأعطاه الله العصا، التي أبطلت سحرهم. وجاء إبراهيم، عليه السلام، إلى قوم برعوا في علم الفلك، فأعجزهم. وجاء عيسى عليه السلام إلى قوم برعوا في الطب، فأعطاه الله القدرة على إحياء الموتى، وإبراء المرضى بإذنه. أما محمد، صلى الله عليه وسلم، فجاء إلى العرب، أهل الفصاحة والبلاغة، فأعطاه الله القرآن، معجزة خالدة، تتحدى أفصح أهل الأرض.
فأين الشعراء والخطباء والفصحاء، ليواجهوا هذا الكتاب؟ لقد عجزوا جميعًا أمام عظمة القرآن وبلاغته.
لذلك، فإن الحفاظ على اللغة العربية، ليس مجرد واجب لغوي، بل هو مسئولية دينية وثقافية وعقدية، وهو السبيل لحماية هويتنا من التمييع والانصهار في ثقافات غريبة، تسعى إلى طمس معالمنا الأصيلة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.