صبري فوزي أبوحسين يكتب | تعليم اللغة العربية ضرورة (٢ – ٢)

0

إن تعلم اللغة العربية فرض على الكفاية: إذا قام به بعضنا سقط عن الآخرين، هذا بالنسبة لعموم الأمة، أما بالنسبة لكل فرد فيجب أن نتعلم منها ما نؤدي به ما افترضه الله علينا في الصلاة من القراءة والأذكار؛ لأن ذلك لا يجوز بغير العربية عند الجمهور.
ويدل على هذا ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا عيسى بن يونس عن ثور عن عمر بن يزيد قال: كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري -رضي الله عنهما-:” أما بعد: فتفقهوا في السنة، وتفقهوا في العربية، وأعربوا القرآن فإنه عربي”. وفي حديث آخر عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: تعلموا العربية؛ فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض؛ فإنها من دينكم. وقال العلماء في التعليق على هذين الأثرين العمريين: هذا الذي أمر به عمر -رضي الله عنه- من فقه العربية وفقه الشريعة معًا؛ لأن الدين فيه فقه أقوال وفقه أعمال، ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله، وفقه السنة هو الطريق إلى فقه أعماله، وإن الله لما أنزل كتابه باللسان العربي، وجعل رسوله مبلغًا عنه الكتاب والحكمة بلسان عربي، ولم يكن من سبيل إلى ضبط الدين ومعرفته إلا بضبط هذا اللسان، فصارت معرفته من الدين”
وكان الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان(ت86هـ) يقول: ” أصلحوا ألسنتكم؛ فإن المرء تنوبه النائبة فيستعير الثوب والدابة، ولا يمكنه أن يستعير اللسان، وجمال الرجل فصاحته”، فاللغة غاية، واللغة وسيلة، واللغو حلية وزينة.
وعلماؤنا وفقهاؤنا عبر العصور يقرورن ضرورة تعلم العربية:
– قال الإمام الشافعي(ت 204هـ):”يجب على كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما يبلغ جهده في أداء فرضه. وأما ما وراء ما يتأدى به الفرض، فتعلمه مندوب لغير العالم بالشريعة، وأما العالم بالشريعة فلا بد له من أن يتعلم من العربية ما يفهم به كلام الشارع قرآنًا وسنة”.
– وقال أبو الحسين أحمد بن فارس القزويني(ت 395هـ) : “تعلم علم اللغة واجب على أهل العلم لئلا يحيدوا في تأليفهم أو فتياهم عن سنن الاستقراء . قال: وكذلك الحاجة إلى علم العربية فإن الإعراب هو الفارق بين المعاني”.
– وقال أبو منصور الثعالبي(ت429ه): “من أحبّ الله أحبّ رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ومن أحبّ النبي العربي أحبّ العرب، ومن أحبّ العرب أحبّ العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب”… العربية خير اللغات والألسنة، والإقبال على تفهمهما من الديانة: إذ هي أداة العلم، ومفتاح التفقه في الدين”.
– وقال الإمام الزمخشري(ت538هـ) في بيان فضل العربية وأنه لا غناء لعلم من علوم الشريعة عنها: ذلك أنهم لا يجدون علمًا من العلوم الإسلامية: فقهها وكلامها، وعِلْمَي تفسيرها وأخبارها إلا وافتقاره إلى العربية بيّن لا يدفع، ومكشوف لا يتقنع. وكذلك الكلام في معظم أبواب أصول الفقه مبني على علم الإعراب”.
– وقال ابن تيمية(ت728هـ) :” إن نفس اللغة العربية من الدين ومعرفتها فرض واجب فإن فهم الكتاب والسنة فرض ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. ثم منها ما هو واجب على الأعيان، ومنها ما هو واجب على الكفاية، ونازع الإمام فخر الدين الخوارزمي(ت نحو 794هـ) في شرح المفصل ” في كون تعلم اللغة والنحو فرض كفاية؛ لأن فرض الكفاية إذا قام به واحد سقط عن الباقين . قال: واللغة والنحو ليسا كذلك , بل يجب في كل عصر أن يقوم به قوم يبلغون حد التواتر, لأن معرفة الشرع لا تحصل إلا بواسطة معرفة اللغة والنحو, والعلم بهما لا يحصل إلا بالنقل المتواتر, فإنه لو انتهى النقل فيه إلى حد الآحاد لصار الاستدلال على جملة الشرع استدلالاً بخبر الواحد , فحينئذ يصير الشرع مظنونًا لا مقطوعًا, وذلك غير جائز” .
ولعلماء الأمة أقوال تشير إلى المخاطر الواقعة على الأوطان والبلدان نتيجة الجهل بعلوم اللغة العربية:
– قال الإمام الحسن البصري(ت110هـ) في المبتدعة: ” أهلكتهم العجمة”، وما (العجمة) إلا ترك اللغة العربية والتفريط فيها والجهل بها، والفتنة بكل ما هو أعجمي أجنبي.
– وقال الإمام الشافعي -في معرض حديثه عن الابتداع في الدين :-
” ما جهل الناس، ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب”.
فهذه النصوص وغيرها دالة على أن الجهل باللغة العربية وعدم إتقان العلوم اللغوية سبب الابتداع في الدين، وسبب في الخطاب الديني المتشدد، وسبب في الفكر الإرهابي، وسبب في الفتاوى الضالة المضلة، وسبب في الفكر المنحرف.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.